فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلۡفُلۡكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى ٱلۡبَرِّ إِذَا هُمۡ يُشۡرِكُونَ} (65)

{ فإذا ركبوا في الفلك } أي : إذا انقطع رجاؤهم من الحياة وخافوا الغرق فقال : رجوا إلى الفطرة ، والركوب هو الاستعلاء وهو متعد بنفسه ، وإنما عدى بكلمة ( في ) للإشعار بأن المركوب في نفسه من قبيل الأمكنة { دعوا الله } وحده { مخلصين له الدين } بصدق نياتهم ، وتركهم عند ذلك لادعاء الأصنام لعلمهم أنه لا يكشف هذه الشدة العظيمة النازلة بهم غير الله سبحانه .

{ فلما نجاهم إلى البر } وآمنوا { وإذا هم يشركون } أي فاجأوا المعاودة إلى الشرك ودعوا غير الله سبحانه ، وعادوا إلى ما كانوا عليه من العناد . وقيل : كان أهل الجاهلية إذا ركبوا البحر حملوا الأصنام ، فإذا اشتد الريح ألقوها في البحر ، وقالوا يا رب يا رب { ليكفروا بما آتيناهم } من نعمة الإنجاء .

{ وليتمتعوا } أي فاجأوا الشرك بالله ليكفروا ويجحدوا بنعمة الله وليتمتعوا بها ، فاللام في الفعلين لام كي ، وفيه شيء لأنه ليس الحامل لهم على الإشراك قصد الكفر ، والظاهر أنها لام العاقبة والمآل ، كما أشار له الشهاب ، وقيل : اللام للتعليل ، والمعنى لا فائدة لهم في الإشراك إلا التمتع به في العاجلة ولا نصيب لهم في الآخرة . وقيل : هما لاما الأمر تهديدا ووعيدا أي : اكفروا بما أعطيناكم من النعمة ، وتمتعوا . ويدل على هذا المعنى قراءة أبيّ وتمتعوا ، وهذا الاحتمال للأمرين إنما هو على قراءة أبي عمرو ، وورش بكسر اللام ، وأما على قراءة الجمهور بسكونها ، فلا خلاف أنها لام الأمر .

{ فسوف يعلمون } عاقبة ذلك الأمر وما فيه من الوبال عليهم ، وفيه تهديد لهم عظيم .