نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَمَنۡ أَحۡسَنُ قَوۡلٗا مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ} (33)

ولما كان هذا لمن كمل نفسه ، أتبعه بمن أكمل غيره إشارة إلى أن السعادة التامة أن يكتسب الإنسان من الصفات الفاضلة ما يصير بها كاملاً في نفسه ، فإذا فرغ اشتغل بتكميل الناقص عاطفاً على ما تقديره : ما أحسن هذا الذي كمل نفسه ، وقاله تنويهاً بعلو قدر النفع المتعدي وحثاً على مداومة الدعاء وإن أبوا وقالوا { قلوبنا في أكنة } ثم قالوا { لا تسمعوا لهذا القرآن } فإنهم لم يقولوا من ذلك شيئاً إلا ذكرت أجوبته الشافية الكافية فاندفعت جميع الشبهات وزالت غياهب الضلالات ، فصار تحذير الدعاء موضعاً للقبول { ومن أحسن قولاً } أي من جهة القول { ممن دعا } وحد الضمير دلالة على قلة هذا الصنف { إلى الله } أي الذي عم بصفات كماله جميع الخلق فهو يستعطف كل أحد بما تعرف إليه سبحانه به من صفاته { وعمل } أي والحال أنه قد عمل { صالحاً } في نفسه ليكون ذلك أمكن لدعائه أعم من أن يكون ذلك لصالح نية أو قولاً أو عملاً للجوارح الظاهرة سراً كان أو علناً ، ولذا حذف الموصوف لئلا يوهم تقيده بالأعمال الظاهرة وللاغناء عنها بقوله " دعا " بخلاف ما كان سياقه للتوبة كآية الفرقان أو اعتقاد الحشر كآية الكهف ، فإنه لا بد فيه من إظهار العمل ليكون شاهداً على صحة الاعتقاد وكمال التوبة ، والدعاء هنا مغنٍ عن ذلك { وقال } مؤكداً عند المخالف والمؤالف قاطعاً لطمع المفسد فيه : { إنني من المسلمين * } أي الراسخين في صفة الإسلام متظاهراً بذلك لا يخاف في الله لومة لائم وإن سماه أبناء زمانه كذا جافياً وغليظاً عاسياً لتصلبه في مخالفته إياهم فيما هم عليه بتسهله في انقياده لكل ما أمره به ربه سبحانه .