نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ} (37)

ولما أخبروا على هذه العظمة تنطعاً{[57587]} لأنها لو وقعت لم يكن بأدل على ثبوت النبوة المستلزمة لتصديق كل ما يقول لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وما يأتيهم به من الآيات ، غير خائفين من الله وهم يعلمون{[57588]} قدرته وإهلاكه للماضين لأجل تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وكأنهم يدعون خصوصيته في مكنة من عين أو معنى ينجون بها من مساواة من قبلهم في ذلك ، فقال تعالى منكراً عليهم : { أهم خير } أي في الدين والدنيا { أم قوم تبع } أي الذين ملك بهم تبع الأرض بطولها والعرض وحيرالحيرة وبنى قصر سمرقند وكان مؤمناً ، وقومه حمير ومن تبعهم أقرب المهلكين{[57589]} إلى قريش زماناً ومكاناً . وكان له بمكة المشرفة ما ليس لغيره من الآثار ، وقال الرازي في اللوامع : هو أول من كسا البيت ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة وأقام به ستة أيام{[57590]} وطاف به وحلق .

وقال البغوي{[57591]} بعد أن ذكر قصته مع الأنصار لما قتل ابنه غيلة بالمدينة{[57592]} الشريفة وما وعظته به اليهود في الكف عن إحراب المدينة لأنها مهاجر نبي [ من-{[57593]} ] قريش : فصدقهم وتبع دينهم ، وذلك قبل نسخه ، وقال عن الرقاشي : آمن تبع بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة{[57594]} عام ، وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لا تسبوا تبعاً فإنه كان رجلاً صالحاً .

ولما كان ذلك{[57595]} في سياق التهديد بالإهلاك{[57596]} لأجل مخالفتهم ، وكان الإهلاك لذلك إنما كان لبعض من تقدم زمانهم لا لجميع الخلق ، أدخل الجار فقال : { والذين من قبلهم } أي [ من-{[57597]} ] مشاهير الأمر كمدين وأصحاب الأيكة والرس وثمود وعاد .

ولما كان كأنه قيل : ما لهؤلاء الأمم ؟ قيل : { أهلكناهم }{[57598]} أي بعظمتنا{[57599]} وإن كانوا عظماء لا يعسرهم{[57600]} هؤلاء فيما{[57601]} لهم من المكنة لقطعهم من أمر الله به أن يوصل من الرسل وأتباعهم ، وتكذيبهم بما أتوا به ، ولذلك علل الإهلاك تحذيراً للعرب بقوله مؤكداً لظنهم أن هلاكهم{[57602]} إنما هو على عادة الدهر : { إنهم كانوا } أي جبلة وطبعاً { مجرمين * } أي عريقين في الإجرام ، فليحذر هؤلاء إذا{[57603]} ارتكبوا مثل أفعالهم{[57604]} من مثل حالهم {[57605]}وأن يحل بهم ما حل بهم{[57606]} .


[57587]:من ظ و م، وفي الأصل: سعفا-كذا.
[57588]:من ظ و م، وفي الأصل: على.
[57589]:من ظ و م، وفي الأصل: المهلين.
[57590]:من م ومعالم التنزيل، وفي الأصل و ظ: آلاف.
[57591]:راجع المعالم بهامش اللباب6/123.
[57592]:في م: في المدينة.
[57593]:زيد من م.
[57594]:من ظ و م والمعالم، وفي الأصل: سبعمائة
[57595]:سقط من ظ و م.
[57596]:من م، وفي الأصل و ظ: والإهلاك.
[57597]:زيد من مد.
[57598]:من م. وفي الأصل و ظ: لعظمتنا.
[57599]:من م. وفي الأصل و ظ: لعظمتنا.
[57600]:من م، وفي الأصل و ظ: لا يعسرهم.
[57601]:من م، وفي الأصل و ظ: فما.
[57602]:من م، وفي الأصل و ظ: إهلاكهم.
[57603]:في م: إن.
[57604]:من ظ وم، وفي الأصل: فعالهم.
[57605]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.
[57606]:سقط ما بين الرقمين من ظ و م.