نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَأَنتُمۡ سَٰمِدُونَ} (61)

ولما كان البكاء قد يكون على التقصير في العمل ، بين أن الأمر أخطر من ذلك فقال : { وأنتم } أي والحال أنكم في حال بكائكم { سامدون * } أي دائبون في العمل جاهدون في العمل ، فإن الأمر جد ، فالدأب في العمل والجد فيه حينئذ علة للبكاء ، فكأنه قيل : ولا تدأبوا في العمل فتبكوا ، وإنما قلت ذلك لأن " سمد " معناه دأب في العمل ورفع رأسه تكبراً وعلاً ، وسمد الإبل : جد في السير ، وسار سيراً شديداً ، واسمادّ : ورم ، وسمد : قام متحيراً وحزن وسر وغفل ولهاً وقام وحصل ونام واهتم وتكبر وتحير وبطر وأشر ، وسمد الأرض : سهلها ، وأيضاً جعل فيها السماد ، أي السرقين ، والشعر : استأصله ، وهو لك سمداً أي سرمداً ، والسميد : الحواري ، ذكر ذلك مبسوطاً القزاز في جامعه وصاحب القاموس .

فالمادة كما ترى تدور على انتشارها على الدأب في العمل فتارة بذكر مبدئه الباعث عليه ، وتارة الناشئ عنه ، وتارة ما بينهما ، وهو الجد في العمل ، فينطلق الاسم على كل من ذلك تارة حقيقة ومرة بمجاز الأول ، وأخرى بمجاز الكون ، فالقصد باعث ، وكذا الاهتمام والقيام ورفع الرأس ناشئان عنهما ، وذلك أوله ، والسدم بمعنى الحرص والهم واللهج بالشيء ، والسديم : الضباب الرقيق ، هو مبدأ الكشف ، والمسدم : البعير المهمل وما دبر ظهره ، كأنه من الإزالة ، وركية سدم : متدفقة - للمعالجة في فتحها ، ولأن تدفقها دأب في العمل ، وكذا سدم الباب أي ردمه ، والدسم : الودك ، لأنه منشط على العمل ومنشأ منه ، والوضر والدنس ، ودسم المطر الأرض : بلها قليلاً ، لأنه مبدأ الكثير ، والقارورة : سدها ، والباب : أغلقه ، لأنه يعالج في فتحه ، والدسمة : غبرة إلى السواد - كأنه مبدأ السواد والدسيم لما لم يكن أبواه من نوع واحد - كأنه مبدأ لكل نوع منهما ولأنه يلزم الخلط في العادة العلاج ، ومنه الدسمة للرديء من الرجال - كأنه لم يكمل فيه النوع ، ولأن نقص الشيء عن عادته يلزمه العلاج والفعل بالاختيار ، والديسم : الرفيق بالعمل المشفق ، وأنا على دسم من الأمر أي طرف منه ، والمسد - محركة : المحور من الحديد ، لأنه آلة الفتل ، وحبل من الليف أو ليف المقل لأنه محل الدأب ، والمساد : نحى السمن ، ودمسه : دفنه ، يصلح أن يكون مبدأ ومقصداً ، ومنه دمس بينهم : أصلح لأنه دفن أحقادهم وعالج في ذلك ، والدمس : إخفاء الشيء والظلام ، لأنه منشئ التعب ، ودمس الموضع : درس - للتعب في معرفته ، ودمس الإهاب : غطاه فيمشط شعره ، والدمس : الشخص ، وبالتحريك : ما غطى ، والدودمس بالضم : حية مجر نفشة الغلاصيم تنفخ فتحرق ما أصابت بنفخها ، ومن آثاره الناشئة عنه الورم ، وكذ القيام متحيراً والغفلة والسرور والحزن واللهو والنوم والكبر والتبختر والعلو والعتا ، والسميد أي الحواري ، والسمد بمعنى السرمد : والسمد : الهم مع ندم أو الغيظ مع حزن ، والديماس : الكن ، وما بين ذلك سمد الأرض والشعر والسير الشديد والجد فيه ، وهو نفس الدأب ، وكذا السديم للكثير الذكر ، وماء مسدم وعاشق مسدم : شديد العشق ، والدسيم : ظلمة السواد ، والدسيم ، الكثير الذكر ، ودسم البعير : طلاه بالحناء - والمسد : إداب السير - وبالتحريك : المضفور المحكم الفتل ، ورجل ممسود : مجدول الخلق - شبه به - وهي بها ، ودمس{[61751]} بينهم : أصلح ، وهو من الدفن أيضاً لأنه دفن أحقادهم فنبين أن جعل السمود في الآية بمعنى الدأب في العمل هو الأولى ، وأن كون الجملة حالاً من جعلها معطوفة على { تضحكون } - انتهى والله أعلم .


[61751]:- من القاموس، وفي الأصل: مس.