نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَأَنَّهُۥ هُوَ أَغۡنَىٰ وَأَقۡنَىٰ} (48)

ولما كان الغنى والفقر من الأمور المتوسطة بين الاختيارية والاضطرارية له بكل الأمرين لسبب وكان مقسوماً بين الإناث والذكور بحكمة ربانية لا ينفع الذكر فيها قوته ولا يضر الأنثى ضعفها ، وكان ذكر النشأة الآخرة كالمعترض إنما أوجب ذكر النشأة الأولى ، تعقب ذكرهما به وكان ذكر الغنى مع أنه يدل على الفقر أليق بالامتنان ، والنسبة إلى الرب ، وكان الغنى الحقيقي إنما يكون في تلك الدار ، أخر ذكره فقال : { وأنه } ولما كان ربما نسب إلى السعي وغيره ، أكد بالفعل فقال : { هو } أي وحده من غير نظر إلى سعي ساع ولا غيره { أغنى } ولما كان الغنى في الحقيقة إنما هو غنى النفس ، وهو رضاها بما قسم{[61743]} لها وسكونها وطمأنينتها ، وإنما سمي ذو المال غنياً لأن المال بحيث تطمئن معه النفس ، فمن كان راضياً بكل ما قسم الله به فهو غني ، وهو في الجنانة مغني وإن كان في الدنيا { وأقنى * } أي أمكن من المال وأرضى بجميع الأحوال قال البغوي{[61744]} : أعطى أصول المال وما يدخر بعد الكفاية ، قال : وقال الأخفش أقنى أفقر - انتهى . ونقل الأصبهاني مثله عن أبي زيد ، فتكون الهمزة للإزالة{[61745]} ويقال ، أفناه بكذا أرضاه ، وأقناه الصد : أمكنه منه .


[61743]:- في الأصل: قسما.
[61744]:- راجع معالم التنزيل بهامش اللباب 6/ 224.
[61745]:- في الأصل: للأزلية.