نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوٓاْ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَكُلُّ أَمۡرٖ مُّسۡتَقِرّٞ} (3)

ولما فطم عن التشوف إلى إجابتهم في المقترحات على ما قدرته ، تسبب منهم عن الانشقاق بقوله : { وكذبوا } أي بكون الانشقاق دالاً على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وجزموا بالتكذيب عناداً أو خبثاً منهم . ولما كان التكذيب في نفسه قد يكون حقاً ، قال مبيناً أنه باطل ، فبين عن حالهم بقوله : { واتبعوا } أي بمعالجة فطرهم الأولى المستقيمة في دعائها إلى التصديق { أهواءهم } أي حتى نابذوا ما دلتهم عليه بعد الفطرة الأولى عقولهم ، قال القشيري : إذا حصل اتباع الهوى فمن شؤمه يحصل التكذيب ، لأن الله سبحانه وتعالى يلبس على قلب صاحبه حتى لا يستبصر الرشد ، واتباع الرضى مقرون بالتصديق لأن الله تعالى ببركات الاتباع للحق يفتح عين البصيرة فيأتي بالتصديق - والله الهادي . ولما كان ذلك مفظعاً لقلوب المحقين ، سلاهم بالوصول إلى محط تظهر فيه الحقائق وتضمحل فيه الشقاشق ، فقال عاطفاً على ما تقديره : فسيستقر أمر كل من أمر المحق والمبطل في قراره ، ويطلع على دقائقه وأسراره : { وكل أمر } من أموركم وغيرها { مستقر * } أي ثابت وموجود ، انتهاؤه إلى غاية تظهر فيها حقيقته من غير حيلة تصاحبه إلى رد ذلك القرار ولا خفاء على أحد ، فلا بد أن ينتهي الحق من كل شيء من الآجال والهدايات والضلالات والسعادات والشقاوات وغيرها إلى نهايته فيثبت ثبوتاً لا زوال له ، وينتهي الباطل مما دعاه الخلق فيه إلى غايته فيتلاشى تلاشياً لا ثبات له بوجه من الوجوه ، فإذا استقرت الأمور ظهر ما لهم عليه وعلموا الخاسر من الفائز ، وفي مثل هذا قال ابن عمرو التيمي أخو القعقاع في وقعة السي ( ؟ ) من بلاد العراق :

والموت خيلنا لما التقينا *** بقارن والأمور لها انتهاء

وقرأ أبو جعفر{[61755]} بالجر صفة لأمر ، فيكون معطوفاً على الساعة أي واقترب كل أمر مستقر أي ثابت وهو الحق أي اقترب الظهور وثباته ، وذلك لا يكون إلا وقد كان خفاء الباطل وفواته .


[61755]:- راجع نثر المرجان 7/ 112.