نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ مُخۡتَلِفُونَ} (3)

وعظم توبيخهم بقوله : { الذي هم } أي بضمائرهم مع ادعائهم أنها أقوم الضمائر { فيه مختلفون * } أي شديد {[71041]}اختلافهم وثباتهم{[71042]} فبعضهم صدق وبعضهم كذب ، والمكذبون بعضهم شك وبعضهم جزم وقال بعضهم : شاعر ، وبعضهم : ساحر - إلى غير ذلك من الأباطيل-{[71043]} ، وذلك الأمر هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أهمه البعث بعد الموت اشتد التباسه عليهم وكثرت{[71044]} مراجعتهم فيه ومساءلتهم عنه مع{[71045]} عظمه وعظم ظهوره ، والعظيم لا ينبغي الاختلاف فيه بوجه ، فإن ذا المروءة لا ينبغي له أن يدخل في أمر إلا وهو على بصيرة فكيف به إذا كان عظيماً فكيف به إذا تناهى عظمه فكيف به إذا كان أهم ما يهمه فإنه يتعين عليه أن يبحث عنه غاية البحث ويطلب فيه الأدلة ويفحص عن البراهين ويستوضح الحجج حتى يصير من أمره بعد {[71046]}علم اليقين{[71047]} إلى عين اليقين من حين يبلغ مبلغ الرجال إلى أن يموت فكيف إذا كان بحيث تتلى عليهم الأدلة وتجلى لديه قواطع الحجج وتجلب{[71048]} إليه البينات وهو يكابر فيه ويماري{[71049]} ، ويعاند ويداري .

قال الإمام أبو جعفر بن الزبير : سورة النبأ أما مطلقها فمرتب {[71050]}على تساؤل{[71051]} واستفهام وقع{[71052]} منهم وكأنه وارد هنا في معرض العدول والالتفات ، وأما قوله : { كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون } [ النبأ : 4 - 5 ] فمناسب للوعيد المتكرر في قوله :{ ويل يومئذ للمكذبين }[ المرسلات : 19 ] وكأن قد قيل : سيعلمون عاقبة تكذيبهم ، ثم أورد تعالى من جميل صنعه وما{[71053]} إذا اعتبره المعتبر علم أنه لم يخلق {[71054]}شيء منه{[71055]} عبثاً بل يعتبر به ويستوضح وجه الحكمة فيه ، فعلم أنه لا بد من وقت ينكشف فيه الغطاء ويجازي الخلائق على نسبة من أحوالهم في الاعتبار والتدبر{[71056]} والخضوع لمن نصب مجموع تلك الدلائل ، ويستشعر من تكرار الفصول وتجدد الحالات وإحياء الأرض بعد موتها ، جرى ذلك في البعث واطراد الحكم ، وإليه الإشارة بقوله : كذلك نخرج الموتى }[ الأعراف : 57 ] وقال تعالى منبهاً على ما ذكرناه { ألم نجعل الأرض مهاداً } [ النبأ : 6 ] إلى قوله :{ وجنات ألفافاً }[ النبأ : 16 ] فهذه المصنوعات المقصود بها الاعتبار كما قدم ، ثم{[71057]} قال تعالى :{ إن يوم الفصل كان ميقاتاً }[ النبأ : 17 ] أي موعداً لجزائكم لو اعتبرتم بما ذكر لكم لعلمتم منه وقوعه وكونه ليقع جزاؤكم على ما سلف منكم " فويل يومئذ للمكذبين " ويشهد لهذا القصد مما بعد{[71058]} من الآيات قوله تعالى لما ذكر ما أعد للطاغين :{ إنهم كانوا لا يرجون حساباً وكذبوا بآياتنا كذاباً وكل شيء أحصيناه كتاباً }[ النبأ : 27 - 29 ] ثم قال بعد :{ إن للمتقين مفازاً حدائق وأعناباً }[ النبأ : 31 - 32 ] وقوله بعد : { ذلك اليوم الحق } وأما الحياة الدنيا فلعب ولهو وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ، وقوله بعد :{ يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً }[ النبأ : 40 ] انتهى .


[71041]:من ظ و م، وفي الأصل: ثباتهم واختلافهم.
[71042]:من ظ و م، وفي الأصل: ثباتهم واختلافهم.
[71043]:زيد من ظ و م.
[71044]:من ظ و م، وفي الأصل: كثرة.
[71045]:من ظ و م، وفي الأصل: في.
[71046]:تكرر ما بين الرقمين في الأصل فقط.
[71047]:تكرر ما بين الرقمين في الأصل فقط.
[71048]:من ظ و م، وفي الأصل: تجلت.
[71049]:من ظ و م، وفي الأصل: يمادى.
[71050]:من ظ و م، وفي الأصل: التساؤل.
[71051]:من ظ و م، وفي الأصل:التساؤل.
[71052]:من ظ و م، وفي الأصل: واقع.
[71053]:من ظ و م، وفي الأصل: أما.
[71054]:من ظ و م، وفي الأصل: منه شيء.
[71055]:من ظ و م، وفي الأصل: منه شيء.
[71056]:من ظ و م، وفي الأصل: التدبير.
[71057]:من ظ و م، وفي الأصل "و".
[71058]:من ظ و م، وفي الأصل: يعد.