فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ مُخۡتَلِفُونَ} (3)

وقد استدلّ على أن النبأ العظيم هو القرآن بقوله : { الذي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } فإنهم اختلفوا في القرآن ، فجعله بعضهم سحراً وبعضهم شعراً وبعضهم كهانة وبعضهم قال : هو أساطير الأوّلين . وأما البعث فقد اتفق الكفار إذ ذاك على إنكاره . ويمكن أن يقال : إنه قد وقع الاختلاف في البعث في الجملة ، فصدّق به المؤمنون وكذب به الكافرون ، فقد وقع الاختلاف فيه من هذه الحيثية ، وإن لم يقع الاختلاف فيه بين الكفار أنفسهم على التسليم والتنزل ، ومما يدلّ على أنه القرآن قوله سبحانه : { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } [ ص : 67 ، 68 ] ومما يدلّ على أنه البعث أنه أكثر ما كان يستنكره المشركون وتأباه عقولهم السخيفة . وأيضاً فطوائف الكفار قد وقع الاختلاف بينهم في البعث ؛ فأثبت النصارى المعاد الروحاني ، وأثبتت طائفة من اليهود المعاد الجسماني ، وفي التوراة التصريح بلفظ الجنة باللغة العبرانية بلفظ «جنعيذا » بجيم مفتوحة ثم نون ساكنة ، ثم عين مكسورة مهملة ثم تحتية ساكنة ثم ذال معجمة بعدها ألف . وفي الإنجيل في مواضع كثيرة التصريح بالمعاد ، وأنه يكون فيه النعيم للمطيعين والعذاب للعاصين ، وقد كان بعض طوائف كفار العرب ينكر المعاد كما حكى الله عنهم بقوله : { مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وما يهلكنا إلا الدهر } [ الجاثية : 24 ] { وَمَا نحن بمبعوثين } [ المؤمنون : 37 ] وكانت طائفة منهم غير جازمة بنفيه بل شاكة فيه كما حكى الله عنهم بقوله : { إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } [ الجاثية : 32 ] وما حكاه عنهم بقوله : { وَمَا أَظُنُّ الساعة قَائِمَةً وَلَئِن رُّجّعْتُ إلى رَبّى إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى } [ فصلت : 50 ] فقد حصل الاختلاف بين طوائف الكفر على هذه الصفة . وقد قيل : إن الضمير في قوله : { يتساءلون } يرجع إلى المؤمنين والكفار لأنهم جميعاً كانوا يتساءلون عنه ، فأما المسلم فيزداد يقيناً واستعداداً وبصيرة في دينه . وأما الكافر فاستهزاء وسخرية . قال الرازي : ويحتمل أنهم يسألون الرسول ويقولون : ما هذا الذي يعدنا به من أمر الآخرة ، والموصول في محل جرّ صفة للنبأ بعد وصفه بكونه عظيماً فهو متصف بالعظم ومتصف بوقوع الاختلاف فيه .

/خ30