إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ مُخۡتَلِفُونَ} (3)

{ الذي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } بعد وصفِه بالعظيم تأكيداً لخطره إثرَ تأكيدٍ ، وإشعاراً بمدار التساؤلِ عنه ، وفيهِ متعلقٌ بمختلفونَ قدم عليه اهتماماً به ورعايةً للفواصلِ ، وجعلُ الصلةِ جملةً اسميةً للدلالةِ على الثباتِ أي هُم راسخونَ في الاختلافِ فيهِ فمِن جازمٍ باستحالته يقولُ :

{ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدهر وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ } [ سورة الجاثية ، الآية 24 ] وشاكَ يقول { ما ندري ما الساعة إن نظن إلاَّ ظناً وما نحن بمستيقنين } [ سورة الجاثية ، الآية 32 ] وقيلَ : منهُم من ينكرُ المعادَينِ معاً كهؤلاءِ ، ومنهُم مَنْ ينكرُ المعادَ الجسمانيَّ فقطَّ كجمهور النَّصارى ، وقد حُملَ الاختلافُ على الاختلافِ في كيفيةِ الإنكارِ فمنْهُم مَنْ ينكرُه لإنكارِه الصانعَ المختارَ ، ومنهُم مَنْ يُنكرهُ بناءً على استحالة المعدومِ بعينه ، وحملُه على الاختلاف بالنَّفي والإثباتِ بناءً على تعميم التساؤلِ لفريَقيْ المسلمينَ والكافرينَ على أنَّ سؤالَ الأولينَ ليزدادُوا خشيةً واستعداداً وسؤالَ الآخرينَ ليزدادُوا كُفراً وعناداً يردُّه قولُه تعالى : { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } الخ .