نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (46)

{ وأطيعوا الله } أي الذي له الغنى المطلق فلا يقبل إلا الخالص والكمال الأكمل فلا يفعل إلا{[35067]} ما يريد { ورسوله } أي في الإقدام والإحجام لجهلكم بالعواقب ، وتلك الطاعة أمارة إخلاصكم في الذكر { ولا تنازعوا } بأن يريد كل واحد نزع مال صاحبه من رأي وغيره وإثبات ما له ، وأشار إلى عظيم ضرر التنازع ببيان ثمرته المرة فقال ؛ { فتفشلوا } أي تضعفوا ؛ قال في القاموس : فشل كفرح ، فهو فشل ، كسل وضعف وتراخى وجبن - انتهى . والمادة راجعة إلى الفيشلة وهي الحشفة ، ومن لازمها الرخاوة{[35068]} وينشأ عن الرخاوة الجبن مع الصلف والخفة والطيش .

ولما كان الفشل ربما كان معه الظفر لفشل في العدو أكثر منه أو غير ذلك ، عطف ما يلزمه غالباً بالواو دون الفاء فقال : { وتذهب{[35069]} ريحكم } أي غلبتكم وقوتكم ، وأصله أن الريح إذا كانت في الحرب من جهة صف كانت في وجوه أعدائهم فمنعتهم بما يريدون فخذلوا فصارت كأنها قوة من أتت من عنده ، فصارت يكنى بها عنها ؛ ثم ختم هذه الأسباب بالجامع لشملها الناظم{[35070]} لمقاصد أهلها فقال ؛ { واصبروا } أي على ما يكون من تلك المشاق فإنكم إن تكونوا تألمون فإن أعداءكم كذلك ، وأنتم ترجون من الله ما لا يرجون ؛ ثم علله بما يكون عنه النصر في الحقيقة فقال : { إن الله } أي الميحط بصفات الكمال { مع الصابرين* } أي لأنهم لا يصبرون إلا اعتماداً عليه ، ومن كان معه عز ، وهذه الجملة جمع فيها - كما قال الإمام شمس الدين محمد بن قيم الجوزية في آخر كتاب{[35071]} الفروسية المحمدية - تدبير الحروب أحسن جمع على أتم وجه ، فأمر فيها بخمسة أشياء ما اجتمعت قط في فئة إلا انتصرت وإن قلت في جنب عدوها ، وخامسها ملاك ذلك وقوامه وأساسه وهو الصبر ، فعلى هذه الدعائم الخمس تبنى قبة النصر ، ومتى زالت أو بعضها زال من النصر بحسبه ، وإذا اجتمعت قوى بعضها بعضاً وصار لها أثر عظيم ، لما اجتمعت في الصحابة رضي الله عنهم لم تقم لهم أمة من الأمم ، ففتحوا البلاد شرقاً وغرباً ودانت لهم العباد سلماً وحرباً ، ولما تفرقت فيمن بعدهم وضعفت آل الأمر قليلاً قليلاً إلى ما ترى - فلا قوة إلا بالله ، والجامع لذلك كله طاعة الله ورسوله فإنها موجبة لتأييد المطيع بقوة من هو في طاعته ، وذلك{[35072]} سر قول أبي الدرداء رضي الله عنه الذي رواه البخاري في باب " عمل صالح قبل القتال{[35073]} " : إنما تقاتلون الناس بأعمالكم ؛ وهو شرع قديم ، قال في أثناء السفر الخامس من التوراة : وإن{[35074]} أنتم سمعتم قول الله ربكم وتحفظتم{[35075]} وعملتم بكل هذه الوصية التي آمركم{[35076]} بها اليوم يبارك عليكم{[35077]} الله ربكم كما قال لكم{[35078]} ، و{[35079]} ترزقون إن تقرضوا شعوباً كثيرة{[35080]} ولا تقرضون ، وتسلطون على شعوب كثيرة ولا يتسلطون عليكم .


[35067]:زيد من ظ.
[35068]:في ظ: الرخاو.
[35069]:في ظ: يذهب، وهذه أيضا قراءة.
[35070]:في ظ: الناظر.
[35071]:من ظ، وفي الأصل: كتب.
[35072]:من ظ، وفي الأصل: من قوله صلى الله عليه وسلم.
[35073]:من ظ، وفي الأصل: من قوله صلى الله عليه وسلم.
[35074]:زيد من ظ.
[35075]:من ظ، وفي الأصل: تحفظكم.
[35076]:في ظ: آمرهم.
[35077]:تأخر في الأصل عن "الله" والترتيب من ظ.
[35078]:سقط من ظ.
[35079]:من ظ، وفي الأصل: أو.
[35080]:في ظ: كثيرا.