التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَٰكَ سَبۡعٗا مِّنَ ٱلۡمَثَانِي وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِيمَ} (87)

{ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ( 87 ) لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ( 1 ) وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ( 88 ) وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ ( 89 ) } [ 87 – 89 ] .

الآيات استمرار في التعقيب وفي تطمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتسليته . فقد كرمه الله وحباه بما آتاه من المثاني السبع والقرآن العظيم . فعليه أن يستمر في دعوته إلى الله تعالى وإعلان أنه نذير للناس من قبل الله ، وأن يخفض جناحه للذين آمنوا وصدقوا ويغدق عليهم عطفه وبره ، وألا يبالي ولا يحزن مما يبدوا من الكفار من عناد وإعراض ولا بما يتمتع به بعضهم من المال والجاه . فما آتاه الله خير وأبقى وما أوتوه عرض زائل لا يعني رضاء الله ، وإنما أوتوه باقتضاء حكمته ونواميس كونه .

تعليق على الجملة

{ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ }

قد تعددت الروايات والأقوال في ( المثاني السبع ) فروي أنها الفاتحة استنادا إلى حديث رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاء فيه : ( أم القرآن هي السبع المثاني ){[1235]} . وأن تسميتها بالسبع المثاني لأنها تثنى في الصلاة فتقرأ في كل ركعة ، أو لأن فيها ثناء على الله تعالى وهي سبع آيات . وروى بعضهم أنها السور السبع الطوال وأنكر بعضهم هذا القول ؛ لأن سورة الحجر نزلت قبل نزول السور السبع الطوال التي هي مدنية{[1236]} .

والمصحف الذي اعتمدناه يروي أن الآية [ 87 ] التي فيها الجملة مدنية ، ولعل ذلك بسبب ما روي من أن السبع المثاني هي السبع الطوال . ومعظم الأقوال تؤيد كون المقصود من الجملة سورة الفاتحة ، وهو الأوجه والأرجح عندنا أيضا . ولاسيما أن السبع الطوال لم تصبح كذلك إلا بعد ترتيب القرآن آيات في سور وسورا في مصحف . وهذا إنما تم في أواخر عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ ولذلك فإن إنكار صرف الجملة إليها في محله ، ويتبع هذا إنكار رواية مدنية الآية .

تعليق على الآية

{ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ }

روى ابن كثير في صدد الآية حديثا جاء فيه : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضافه ضيف ولم يكن عنده شيء فأرسل إلى رجل من اليهود يستلف منه دقيقا فقال : لا إلا برهن ، فرجع فأخبر النبي بجوابه . فقال : أما والله إني لأمين من في السماء ، وأمين من في الأرض ، ولو أسلفني لأديت له ، فلما خرج الرجل نزلت الآية ) . والحديث ليس من الصحاح والحادث المذكور فيه مدني والآية مكية لا خلاف فيها ، وهي منسجمة نظما وسياقا مع ما قبلها ومع ما بعدها . فضلا عن أن الحديث لا يتناسب مع مدى الآية . ولقد ورد في سورة طه آية مماثلة لهذه الآية وروي في سياقها نفس الحديث ، وفندنا صلته بالآية كما فعلنا هنا . ولقد قال بعض المفسرين : إن في الآية نهيا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تمني ما عند الكفار ، ونحن نجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يدور في خاطره ذلك . وكل ما يحتمل أن يكون تعجب منه أو من بعض أصحابه من حسن حال الكفار وكثرة مالهم على كفرهم فاقتضت حكمة التنزيل تسليتهم وتطمينهم على النحو الذي شرحناه ، والذي نرجو أن يكون فيه الصواب .

والتعجب من حسن حال الكفار حالة نفسانية كانت متجددة الباعث في العهد المكي بنوع خاص فضلا عن كونها كذلك في كل ظرف ، وهذا ما يفسر حكمة تكرر النهي والتنبيه على ما هو المتبادر .


[1235]:انظر تفسير الآية في تفسير البغوي. وقد جاء هذا الحديث في التاج برواية الترمذي بهذه الصيغة: (عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثل أم القرآن وهي السبع المثاني وهي مقسومة بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل) التاج جـ 4 ص 138.
[1236]:انظر كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والخازن والزمخشري.