ثم حثه على الصفح والتجاوز بذكر النعم العظام التي خصه بها فقال : { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني } أكثر المفسرين على أن المراد بها فاتحة الكتاب وهو قول عمر وعلي رضي الله عنهما وابن مسعود وأبي هريرة والحسن وأبي العالية ومجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة . وذلك أنها سبع آيات . والمثاني جمع مثناة من التثنية أو جمع مثنية لأنها تثنى في كل صلاة . وقال الزجاج : تثنى بما يقرأ بعدها معها . وأيضاً قسمت بنصفين قسم ثناء وقسم دعاء ، وقد ورد الحديث في هذا المعنى " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين " وقد مر في أول الكتاب . وأيضاً كلماتها مثناة مثل : { الرحمان الرحيم } { إياك } و { إياك } { الصراط } { صراط } { عليهم } { عليهم } واشتمالها على ثناء الله تعالى وتحميده مقرر ومما يتفرع على هذا القول ما نقل القاضي عن أبي بكر الأصم أنه قال : كان ابن مسعود لا يكتب في مصحفه فاتحة الكتاب . فقيل : كأنه رأى أنه تعالى عطف عليه قوله : { والقرآن العظيم } والعطف يوجب المغايرة فوجب أن تكون السبع المثاني غير القرآن . والجواب أنه قد يكون بعطف الجزء على الكل كقوله : { وملائكته وجبريل } [ البقرة : 98 ] أو بالعكس كما في الآية . والمقصود في الوصفين تميز البعض عن الكل تنبيهاً على مزية ذلك البعض وشرفه . فإن قلت : ليس لعطف لكل على البعض نظير ، والاستدلال بالآية استدلال بصورة النزاع من غير دليل . قلنا : يكفي بقوله : { ولقد آتيناك } دليلاً على أنه من القرآن . وعن ابن عمر وسعيد بن جبير في رواية : أن السبع المثاني هي السبع الطوال سميت بذلك لما وقع فيها من تكرير القصص والمواعظ والوعد والوعيد وغير ذلك ، أو لأنها تثني على الله بأفعاله العظمى وصفاته الحسنى . وأنكر الربيع هذا القول لأن هذه السورة مكية وأكثر تلك السورة مدنية . وأجيب بأن المراد من الإيتاء إنزالها إلى السماء الدنيا ، والمكية والمدنية في ذلك سيان ، وضعف بأن إطلاق لفظ الإيتاء على ما لم يصل بعد إليه خلاف الظاهر . وقال قوم : السبع المثاني هي التي دون الطول والمئين وفوق المفصل ، واحتجوا عليه بما روى ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله أعطاني السبع الطوال مكان التوراة ، وأعطاني المئين مكان الإنجيل ، وأعطاني المثاني مكان الزبور وفضلني ربي بالمفصل " قال الواحدي : والقول في تسمية هذه السور مثاني كالقول في تسمية الطول مثاني . وروي عن ابن عباس وإليه ذهب طاوس أنها هي القرآن لقوله سبحانه : { كتاباً متشابهاً مثاني } [ الزمر : 23 ] وأنها سبعة أسباع كرر فيها دلائل التوحيد والنبوة والتكاليف .
ومعنى العطف على هذا القول الجمعية كقوله : إلى الملك القرم وابن الهمام . وكأنه قيل : آتيناك ما هو الجامع لكونه سبعاً مثاني ولكونه قرآناً عظيماً . قال الزجاج ووافقه صاحب الكشاف : و " من " في { من المثاني } للبيان أو للتبعيض إذا أردت بالسبع الفاتحة أو الطول ، وللبيان إذا أردت الأسباع .
ولما عرف رسوله نعمه الدينية ورغبه فيها نفره من اللذات العاجلة الزائلة لأن كل نعمة وإن عظمت فإنها بالنسبة إلى نعمة القرآن ضيئلة حقيرة ، ومنه الحديث " من لم يتغن بالقرآن أي لم يستغن به - فليس منا " وقول أبي بكر : من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغر عظيماً وعظم صغيراً . فمن حق قارىء القرآن الواقف على معانيه أن لا يشغل سره بالالتفات إلى الدنيا وزهرتها . قال الواحدي : إنما يكون مادّاً عينيه إلى الشيء إذا أدام النظر نحوه ، وإدامة النظر إليه تدل على استحسانه وتمنيه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.