غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَٰكَ سَبۡعٗا مِّنَ ٱلۡمَثَانِي وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِيمَ} (87)

51

ثم حثه على الصفح والتجاوز بذكر النعم العظام التي خصه بها فقال : { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني } أكثر المفسرين على أن المراد بها فاتحة الكتاب وهو قول عمر وعلي رضي الله عنهما وابن مسعود وأبي هريرة والحسن وأبي العالية ومجاهد والضحاك وسعيد بن جبير وقتادة . وذلك أنها سبع آيات . والمثاني جمع مثناة من التثنية أو جمع مثنية لأنها تثنى في كل صلاة . وقال الزجاج : تثنى بما يقرأ بعدها معها . وأيضاً قسمت بنصفين قسم ثناء وقسم دعاء ، وقد ورد الحديث في هذا المعنى " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين " وقد مر في أول الكتاب . وأيضاً كلماتها مثناة مثل : { الرحمان الرحيم } { إياك } و { إياك } { الصراط } { صراط } { عليهم } { عليهم } واشتمالها على ثناء الله تعالى وتحميده مقرر ومما يتفرع على هذا القول ما نقل القاضي عن أبي بكر الأصم أنه قال : كان ابن مسعود لا يكتب في مصحفه فاتحة الكتاب . فقيل : كأنه رأى أنه تعالى عطف عليه قوله : { والقرآن العظيم } والعطف يوجب المغايرة فوجب أن تكون السبع المثاني غير القرآن . والجواب أنه قد يكون بعطف الجزء على الكل كقوله : { وملائكته وجبريل } [ البقرة : 98 ] أو بالعكس كما في الآية . والمقصود في الوصفين تميز البعض عن الكل تنبيهاً على مزية ذلك البعض وشرفه . فإن قلت : ليس لعطف لكل على البعض نظير ، والاستدلال بالآية استدلال بصورة النزاع من غير دليل . قلنا : يكفي بقوله : { ولقد آتيناك } دليلاً على أنه من القرآن . وعن ابن عمر وسعيد بن جبير في رواية : أن السبع المثاني هي السبع الطوال سميت بذلك لما وقع فيها من تكرير القصص والمواعظ والوعد والوعيد وغير ذلك ، أو لأنها تثني على الله بأفعاله العظمى وصفاته الحسنى . وأنكر الربيع هذا القول لأن هذه السورة مكية وأكثر تلك السورة مدنية . وأجيب بأن المراد من الإيتاء إنزالها إلى السماء الدنيا ، والمكية والمدنية في ذلك سيان ، وضعف بأن إطلاق لفظ الإيتاء على ما لم يصل بعد إليه خلاف الظاهر . وقال قوم : السبع المثاني هي التي دون الطول والمئين وفوق المفصل ، واحتجوا عليه بما روى ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله أعطاني السبع الطوال مكان التوراة ، وأعطاني المئين مكان الإنجيل ، وأعطاني المثاني مكان الزبور وفضلني ربي بالمفصل " قال الواحدي : والقول في تسمية هذه السور مثاني كالقول في تسمية الطول مثاني . وروي عن ابن عباس وإليه ذهب طاوس أنها هي القرآن لقوله سبحانه : { كتاباً متشابهاً مثاني } [ الزمر : 23 ] وأنها سبعة أسباع كرر فيها دلائل التوحيد والنبوة والتكاليف .

ومعنى العطف على هذا القول الجمعية كقوله : إلى الملك القرم وابن الهمام . وكأنه قيل : آتيناك ما هو الجامع لكونه سبعاً مثاني ولكونه قرآناً عظيماً . قال الزجاج ووافقه صاحب الكشاف : و " من " في { من المثاني } للبيان أو للتبعيض إذا أردت بالسبع الفاتحة أو الطول ، وللبيان إذا أردت الأسباع .

ولما عرف رسوله نعمه الدينية ورغبه فيها نفره من اللذات العاجلة الزائلة لأن كل نعمة وإن عظمت فإنها بالنسبة إلى نعمة القرآن ضيئلة حقيرة ، ومنه الحديث " من لم يتغن بالقرآن أي لم يستغن به - فليس منا " وقول أبي بكر : من أوتي القرآن فرأى أن أحداً أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغر عظيماً وعظم صغيراً . فمن حق قارىء القرآن الواقف على معانيه أن لا يشغل سره بالالتفات إلى الدنيا وزهرتها . قال الواحدي : إنما يكون مادّاً عينيه إلى الشيء إذا أدام النظر نحوه ، وإدامة النظر إليه تدل على استحسانه وتمنيه .

/خ99