محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَٰكَ سَبۡعٗا مِّنَ ٱلۡمَثَانِي وَٱلۡقُرۡءَانَ ٱلۡعَظِيمَ} (87)

[ 87 ] { ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم 87 } .

{ ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم } قال الرازي : إنه تعالى لما صبّره على أذى قومه وأمره بأن يصفح الصفح الجميل ، أتبع ذلك بذكر النعم العظيمة التي خصه بها ، لأن الإنسان إذا تذكر كثرة نعم الله عليه ، سهل عليه الصفح والتجاوز .

{ والسبع المثاني } هو القرآن كله كما قاله ابن عباس في رواية طاوس . لقوله تعالى{[5197]} : { كتابا متشابها مثاني } والواو في قوله : { والقرآن العظيم } لعطف الصفة كقول الشاعر{[5198]} :

إلى الملك القرم وابن الهمام *** وليث الكتيبة في المزدحم

و { السبع } يراد بها الكثرة في الآحاد . كالسبعين في العشرات . و { المثاني } جمع مثنى بمعنى التثنية أو الثناء . فإنه تكرر قراءته أو ألفاظه أو قصصه ومواعظه . أو مثنى عليه بالبلاغة والإعجاز . أو مثن على الله تعالى بأفعاله العظمى وصفاته الحسنى .

/ وقد روي عن بعض السلف تفسير السبع بالسور الطوال الأول ، وهذا لم يقصد به . إلا أن اللفظ الكريم يتناولها ، لا أنها هي المعينة . كيف لا وهذه السورة مكية وتلك مدنيات ؟ كالقول بأنها الفاتحة سواء . وأما حديث{[5199]} : " الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته " عند الشيخين ، فمعناه أنها من السبع ، لعطف قوله : " والقرآن العظيم الذي أوتيته " ولو كان القصر على بابه ، لناقضه المعطوف . لاقتضائه أنها هو لا غيره وبداهة بطلانه لا تخفى .

وسر الإخبار بأنها السبع ، كون الفاتحة مشتملة على مجمل ما في القرآن . وكل ما فيه تفصيل للأصول التي وضعت فيها . كما بينه الإمام مفتي مصر في ( تفسير الفاتحة ) فراجعه . هذا ما ظهر لي الآن في تحقيق الآية .

وللأثري الواقف مع ظاهر ما صح من الأخبار ، الجازم بأن السبع في الآية هي الفاتحة لظاهر الحديث أن يجيب عن القصر بأن المراد بالمعطوف القرآن بمعنى المقروء ، لا بمعنى الكتاب كله . والله أعلم .


[5197]:[39 /الزمر / 23].
[5198]:انظر معاني القرآن للفرّاء، ج 1 ص 105. وانظر تفسير الطبري ص 100 من الجزء الثاني (طبعة الحلبي الثانية).
[5199]:أخرجه البخاري في : 65- كتاب التفسير، سورة الفاتحة، 1- باب ما جاء في فاتحة الكتاب، حديث 1961، عن أبي سعيد بن المعلى.