الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا لِتَلۡفِتَنَا عَمَّا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا نَحۡنُ لَكُمَا بِمُؤۡمِنِينَ} (78)

قوله تعالى : { أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا } : اللامُ متعلقةٌ بالمجيء أي : أجئت لهذا الغرض ، أنكروا عليه مجيئَه لهذه العلة . واللَّفْتُ : الَّليُّ والصَرْفُ ، لَفَتَه عن كذا أي : صَرَفَه ولواه عنه . وقال الأزهري : " لَفَتَ الشيءَ وفَتَلَه : لواه ، وهذا من المقلوب " قلت : ولا يُدَّعَى فيه قَلْبٌ حتى يَرْجَعَ أحدُ اللفظين في الاستعمال على الآخر ، ولذلك لم يَجْعلوا جَذَبَ وجَبَذَ وحَمِدَ ومَدَح من هذا القبيل لتساويهما . ومطاوعُ لَفَتَ : التَفَتَ . وقيل : انفتل ، وكأنهم استَغْنَوا بمطاوع " فَتَل " عن مطاوع لَفَتَ ، وامرأة لَفُوت : أي : تَلْتَفِتُ لولدها عن زوجها إذا كان الولد لغيره ، واللَّفِيْتَةُ : ما يَغْلُظُ من العَصِيدة .

قوله : { وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَآءُ } الكِبْرياء : اسم كان ، و " لكم " الخبر ، و " في الأرض " : جَوَّز فيها أبو البقاء خمسةَ أوجه أحدها : أن تكونَ متعلقةً بنفس الكبرياء . الثاني : أن يُعَلَّق بنفس " تكون " . الثالث : أن يتعلَّقَ بالاستقرار في " لكم " لوقوعه خبراً . الرابع : أن يكونَ حالاً من " الكبرياء " . الخامس : أن يكون حالاً من الضمير في " لكما " لتحمُّلِه إياه .

والكِبْرياء مصدرٌ على وزنِ فِعْلِياء ، ومعناها العظمة . قال عديّ ابن الرِّقاع :

2617 سُؤْدُدٌ غيرُ فاحِشٍ لا يُدا *** نِيه تَجْبارَةٌ ولا كِبْرِيا

وقال ابن الرقيات :

2618 مُلْكُه مُلْكُ رأفةٍ ليس فيه *** جَبَروتٌ منهُ ولا كِبْرِياءُ

يعني : ليس هو ما عليه الملوكُ من التجبُّر والتعظيم .

والجمهورُ على " تكون " بالتأنيث مراعاةً لتأنيث اللفظ . وقرأ ابن مسعود والحسن وإسماعيل وأبو عمرو وعاصم في روايةٍ : " ويكون " بالياء من تحتُ ، لأنه تأنيثٌ مجازي .