قوله تعالى : { مِن بَعْدِهِ } : أي : بعد نوح . " بالبينات " متعلقٌ ب " جاؤُوهم " ، أو بمحذوفٍ على أنه حال ، أي : ملتبسين بالبينات . وقوله : " ليؤمِنوا " أتى بلام الجحود توكيداً . والضمير في " كَذَّبوا " عائدٌ على مَنْ عاد عليه الضمير في " كانوا " وهم قومُ الرسل . والمعنى : أنَّ حالَهم بعد بعثِ الرسل كحالِهم قبلها في كونهم أهلَ جاهلية ، وقال أبو البقاء ومكي : " إن الضميرَ في " كانوا " يعود على قوم الرسل ، وفي " كَذَّبوا " يعودُ على قوم نوح ، والمعنى : فما كان قومُ الرسلِ ليؤمنوا بما كَذَّب به قومُ نوح ، أي : بمثلِه . ويجوز أن تكونَ الهاءُ عائدةً على نوح نفسه من غير حَذْفِ مضافٍ ، والتقدير : فما كان قومُ الرسلِ بعد نوح ليؤمنوا بنوحٍ ، إذ لو آمنوا به لآمنوا بأنبيائهم . و " من قبل " متعلقٌ ب " كَذَّبوا " أي من قبل بعثة الرسل . وقيل : الضمائرُ كلُّها تعودُ على قوم الرسل بمعنى آخر : وهو أنهم بادروا رسلَهم بالتكذيب ، كلما جاءَ رسولٌ لَجُّوا في الكفرِ وتمادَوْا عليه فلم يكونوا لِيؤمنوا بما سَبَقَ به تكذيبُهم من قبلِ لَجِّهم في الكفر وتمادِيهم .
وقال ابن عطية : " ويحتمل اللفظُ عندي معنى آخر ، وهو أن تكونَ " ما " مصدرية ، والمعنى : فكذَّبوا رسلَهم فكان عقابهم من الله أَنْ لم يكونوا ليؤمنوا بتكذيبهم مِنْ قبل ، أي : من سببه ومن جزائه ، ويؤيِّد هذا التأويلَ " كذلك نطبع " ، وهو كلامٌ يحتاج لتأمُّل " . قال الشيخ : " والظاهرُ أنَّ " ما " موصولةٌ ، ولذلك عاد الضمير عليها في قوله : { بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ } ولو كانت مصدريةً بقي الضميرُ غيرَ عائدٍ على مذكور ، فتحتاج أن يتُكلَّفَ ما يعود عليه الضمير " . قلت : الشيخ بناه على قولِ جمهورِ النحاة في عدمِ كونِ " ما " المصدرية اسماً فيعود عليها ضميرٌ ، وقد نبَّهْتُك غيرَ مرةٍ أن مذهبَ الأخفش وابن السراج أنها اسمٌ فيعود عليها الضمير .
وقرأ العامَّةُ " نَطْبع " بالنون الدالة على تعظيم المتكلم . وقرأ العباس بن الفضل بياء الغيبة وهو الله تعالى ، ولذلك صرَّح به في موضعٍ آخرَ
{ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ } [ الأعراف : 101 ] . والكافُ نعتٌ لمصدر محذوف ، أو حالٌ من ضمير ذلك المصدرِ على حسبِ ما عرفته من الخلاف ، أي : مثلَ ذلك الطَّبْع المُحْكمِ الممتنعِ زوالُه نطبع على قلوب المُعْتدين على خَلْق الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.