الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قَالَتۡ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي وَلَدٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞۖ قَالَ كَذَٰلِكِ ٱللَّهُ يَخۡلُقُ مَا يَشَآءُۚ إِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (47)

وقوله تعالى : { قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ } : قد تقدَّم إعرابُ هذه الجملِ في قصةِ زكريا فلا معنى لإِعادتِهِ إلاَّ أنَّ هناك " يَفْعل ما يشاء " وهنا " يَخْلُق " قيل : لأنَّ قصتَّها أغربُ من قصتِهِ ، وذلك أنه لم يُعْهَدْ ولدٌ مِنْ عذراءَ لم يَمَسَّها بشرٌ البَتَة ، بخلافِ الولدِ بينَ الشيخِ والعجوزِ فإنه مستبعدٌ ، وقد يُعْهَدُ مثلُه وإنْ كان قليلاً ، فلذلك أتى بيخلُق المقتضي الإِيجادَ والاختراعَ من غيرِ إحالةٍ على سببٍ ظاهر ، وإن كانتِ الأشياءُ كلُّها بخَلْقِهِ وإيجادِهِ وإنْ كان لها أسبابٌ ظاهرةٌ .

والجملةُ من قولِهِ : { وَلَمْ يَمْسَسْنِي } حاليةٌ . [ والبَشَرُ في الأصلِ مصدرٌ كالخَلْق ، ولذلك يَسْتوي فيه ] المذكرُ والمؤنثُ والمفَردُ والمثنى والمجموعُ ، تقولُ : هذه بَشَرٌ ، وهذان بَشَرٌ ، وهؤلاء بشر ، كقولك : هؤلاء خَلْق . قيل : [ واشتقاقُهُ من البَشَرة وهو ظاهرُ الجِلْد ، لأنه الذي من شأنِهِ أَنْ يَظْهَرَ الفرحُ ] والغَمُّ في بَشَرَتِهِ . " ويكون " يَحْتَمِلُ التمامَ والنقصَانَ ، وقد تقدَّم تحريرُه ، وتقدَّم أيضاً اختلاف القراء في " فيكون " وما ذُكِرَ في توجيهِه .