قوله : " وَقَرْنَ " قرأ نافع وعاصم بفتح القاف . والباقون بكسرها . فأمَّا الفتحُ فمِنْ وجهين ، أحدهما : أنه أمرٌ من قَرِرْتُ - بكسرِ الراءِ الأولى - في المكان أَقَرُّ به بالفتح . فاجتمع راءان في اقْرَرْنَ ، فحُذِفت الثانيةُ تخفيفاً ، ونُقِلَتْ حركةُ الراء الأولى إلى القاف ، فحُذفت همزةُ الوصلِ استغناءً عنها فصار قَرْن . ووزنُه على هذا : فَعْن ؛ فإنَّ المحذوفَ هو اللامُ لأنه حَصَلَ به الثقلُ . وقيل : المحذوفُ الراءُ الأولى ؛ لأنه لَمّا نُقِلَتْ حركتُها بقيَتْ ساكنةً ، وبعدها أخرى ساكنةٌ فحُذِفَتِ الأولى لالتقاءِ الساكنين ، ووزنُه على هذا : فَلْنَ ؛ فإنَّ المحذوفَ هو العين . وقال أبو علي : " أُبْدِلت الراءُ الأولى ياءً ونُقِلَتْ حركتُها إلى القاف ، فالتقى ساكنان ، فحُذِفَتْ الياءُ لالتقائِهما " . فهذه ثلاثةُ أوجهٍ في توجيهِ أنها أمرٌ مِنْ قَرِرْت بالمكان .
والوجه الثاني : أنها أمرٌ مِنْ قارَ يَقارُ كخاف يخافُ إذا اجتمع . ومنه " القارَةُ " لاجتماعِها ، فحُذِفت العين لالتقاء الساكنين فقيل : قَرْنَ كخَفْنَ . ووزنُه على هذا أيضاً فَلْن .
إلاَّ أنَّ بعضَهم تكلَّم في هذه القراءةِ مِنْ وجهين ، أحدهما : قال أبو حاتم : يقال : قَرَرْتُ بالمكان بالفتح أقِرُّ به بالكسر وقَرَّتْ عينُه بالكسر تَقَرُّ بالفتح ، فكيف يُقرأ " وَقَرْنَ " بالفتح ؟ والجوابُ عن هذا : أنه قد جُمِعَ في كلٍ منهما الفتحُ والكسرُ ، حكاه أبو عبيد . وقد تقدَّم ذلك في سورة مريم .
الثاني : سَلَّمْنا أنه يُقال : قَرِرْت بالمكان بالكسر أَقَرُّ به بالفتح ، وأنَّ الأمرَ منه اقْرَرْنَ ، إلاَّ أنه لا مُسَوِّغَ للحذفِ ؛ لأن الفتحةَ خفيفةٌ ، ولا يجوز قياسُه على قولِهم " ظَلْتُ " وبابِه ؛ لأن هناك شيئَيْن ثقيلين : التضعيفَ والكسرةَ فحَسُنَ الحذفُ ، وأمَّا هنا فالتضعيفُ فقط .
والجوابُ : أنَّ المقتضِيَ للحذفِ إنما هو التكرارُ .
ويؤيد هذا أنهم لم يَحْذِفوا مع التكرارِ ووجودِ الضمةِ ، وإنْ كانت أثقلَ نحو : اغْضُضْنَ أبصارَكنَّ ، وكان أَوْلَى بالحذفِ فيُقالُ : غُضْنَ . لكنَّ السماعَ خلافُه . قال تعالى : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } [ النور : 31 ] . على أن الشيخَ جمالَ الدين بن مالك قال : " إنه يُحْذَفُ في هذا بطريقِ الأَوْلى " أو تقولُ : إنَّ هذه القراءةَ إنما هي مِنْ قارَ يَقارُ بمعنى اجتمع . وهو وجهٌ حسنٌ بريءٌ من التكلُّفِ ، فيندفع اعتراضُ أبي حاتمٍ وغيرِه ، لولا أنَّ المعنى على الأمرِ بالاستقرارِ لا بالاجتماع .
وأمَّا الكسرُ فمِنْ وجهين أيضاً أحدهما : أنه أمرٌ من قَرَّ بالمكانِ بالفتح في الماضي ، والكسرِ في المضارع ، وهي اللغةُ الفصيحةُ ، ويجيءُ فيه التوجيهاتُ الثلاثةُ المذكورةُ أولاً : إمَّا حَذْفُ الراءِ الثانية أو الأولى ، أو إبدالُها ياءً ، وحَذْفُها كما قال الفارسيُّ . ولا اعتراض على هذه القراءةِ لمجيئها على مشهورِ اللغة فيندفعُ اعتراضُ أبي حاتم ، ولأنَّ الكسرَ ثقيلٌ ، فيندفعُ الاعتراضُ الثاني ، ومعناها مطابقٌ لِما يُرادُ بها من الثبوتِ والاستقرار .
والوجه الثاني : أنها أمرٌ مِنْ وَقَرَ يَقِرُ أي : ثبتَ واستقرَّ . ومنه الوَقارُ . وأصلُه اِوْقِرْن فحُذِفت الفاءُ وهي الواوُ ، واسْتُغني عن/ همزةِ الوصل فبقي " قِرْن " وهذا كالأمرِ مِنْ وَعَد سواء . ووزنُه على هذا عِلْنَ . وهذه الأوجهُ المذكورةُ إنما يَتَهَدَّى إليها مَنْ مَرِنَ في علمِ التصريف ، وإلاَّ ضاق بها ذَرْعاً .
قوله : " تَبَرُّجَ الجاهليةِ " مصدرٌ تشبيهيٌّ أي : مثلَ تبرُّجِ . والتبرُّجُ : الظهورُ مِن البُرْجِ لظهورِه وقد تقدَّم . وقرأ البزي " ولا تَّبَرَّجْنَ " بإدغامِ التاء في التاء . والباقون بحذفِ إحداهما . وتقدَّم تحقيقُه في البقرة في " ولا تَيَمَّموا " .
قوله : " أهلَ البيتِ " فيه أوجه : النداء والاختصاص ، إلاَّ أنه في المخاطب أقلُّ منه في المتكلم . وسُمِعَ " بك اللَّهَ نرجو الفضلَ " والأكثر إنما هو في المتكلم كقولِها :
نحن بناتِ طارِقْ *** نَمْشِي على النمارِقْ
نحن بني ضَبَّةَ أصحابُ الجملْ *** الموتُ أَحْلَى عندنا من العَسَلْ
" نحن العربَ أَقْرَى الناسِ للضيف " " نحن معاشرَ الأنبياءِ لا نورث " أو على المدح أي : أمدحُ أهلَ البيتِ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.