قوله : { كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَآءِ } : قال الزمخشري : " أَحَد " في الأصل بمعنى وَحَد . وهو الواحد ، ثم وُضِع في النفي العام مستوياً فيه المذكرُ والمؤنثُ والواحدُ وما وراءَه . والمعنى : لَسْتُنَّ كجماعةٍ واحدةٍ من جماعات النساء أي : إذا تَقَصَّيْتَ جماعةَ النساءِ واحدةً واحدةً لم توجَدْ منهنَّ جماعةٌ واحدة تُساويكُنَّ في الفضل والسابقةِ . ومنه قوله : { وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ } [ النساء : 152 ] يريد بين جماعة واحدةٍ منهم تسويةً بين جميعِهم في أنهم على الحقِّ المُبين . قال الشيخ : " أمَّا قوله " أحد " في الأصل بمعنى وَحَد وهو الواحد فصحيح . وأمَّا قولُه : " وُضِع " إلى قوله : " وما وراءه " فليس بصحيحٍ ؛ لأنَّ الذي يُسْتعمل في النفي العامِّ مدلولُه غيرُ مدلولِ واحد ؛ لأنَّ واحداً ينطلقُ على كلِّ شيءٍ اتصفَ بالوحدةِ ، وأحداً المستعمل في النفي العامِّ مختصٌ بمَنْ يَعْقِل . وذكر النحويون أنَّ مادتَه همزة وحاء ودال ، ومادة " أحد " بمعنى واحد : واو وحاء ودال ، فقد اختلفا مادةً ومدلولاً . وأمَّا قولُه : لَسْتُنَّ كجماعة واحدة ، فقد قُلنا : إن معناه ليسَتْ كلُّ واحدةٍ منكنَّ . فهو حَكَمَ على كلِّ واحدة لا على المجموع من حيث هو مجموعٌ . وأمَّا { وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ } [ النساء : 152 ] فاحتمل أَنْ يكونَ الذي يُستعمل في النفي العام ؛ ولذلك جاء في سِياقِ النفي فعَمَّ . وصلَحَت البَيْنِيَّة للعموم . ويحتمل أَنْ يكونَ " أحد " بمعنى واحد ، وحُذِفَ معطوف ، أي : بين أحدٍ وأحدٍ . كما قال :
فما كان بينَ الخيرِ لو جاء سالماً *** أبو حُجُرٍ إلاَّ ليالٍ قَلائِلُ
أي : بين الخير وبيني " . انتهى . قلت : أمَّا قولُه فإنهما مختلفان مدلولاً ومادة فَمُسَلَّمٌ . ولكن الزمخشريَّ لم يجعلْ أحداً الذي أصله واحد بمعنى أَحَد المختصِّ بالنفي ، ولا يمنع أن أحداً الذي أصلُه واحد أن يقعَ في سياقِ النفيِ . وإنما الفارقُ بينهما : أنَّ الذي همزتُه أصلٌ لا يُستعمل إلاَّ في النفي كأخواته من عَرِيْب وكَتِيْع ووابِر وتامِر . والذي أصله واحد يجوز أن يُستعمل إثباتاً ونفياً . والفرقُ أيضاً بينهما : أنَّ المختصَّ بالنفي جامدٌ ، وهذا وصْفٌ . وأيضاً المختصُّ بالنفي مختصٌّ بالعقلاء وهذا لا يختصُّ . وأمَّا معنى النفي فإنه ظاهرٌ على ما قاله الزمخشريُّ من الحكم على المجموعِ ، ولكنَّ المعنى على ما قاله الشيخ أوضحُ وإن كان خلافَ الظاهر .
قوله : " إنِ اتَّقَيْتُنَّ " في جوابه وجهان ، أحدهما : أنه محذوفٌ لدلالةِ ما تقدَّم عليه أي : إنْ اتَّقَيْتُنَّ اللَّهَ فَلَسْتُنَّ كأحدٍ . فالشرط قيدٌ في نفي أَنْ يُشَبَّهْنَ بأحدٍ من النساء . الثاني : أنَّ جوابَه قولُه : " فلا تَخْضَعْنَ " والتقوى على بابها . وجَوَّزَ الشيخُ على هذا أن يكونَ اتَّقى بمعنى استقبل أي : استَقْبَلْتُنَّ أحداً فلا تَلِنَّ له القولَ .
واتقى بمعنى استقبل معروفٌ في اللغة . وأنشد :
سَقَطَ النَّصِيفُ ولم تُرِدْ إسقاطَه *** فتناوَلَتْهُ واتَّقَتْنا باليَدِ
أي : واستقبَلَتْنا باليد . قال : " ويكون هذا المعنى أبلغَ في مدحِهنَّ إذ لم يُعَلِّقْ فضيلتَهنَّ على التقوى ولا على نَهْيه عن الخضوع بها ؛ إذ هنَّ مُتَّقِياتٌ لله تعالى في أنفسهنَّ . والتعليقُ يقتضي ظاهرُه أنهنَّ لَسْنَ متحلِّياتٍ بالتقوى " .
قلت : هذا خروجٌ عن الظاهرِ من غير ضرورةٍ . وأمَّا البيتُ فالاتِّقاءُ أيضاً على بابِه/ أي صانَتْ وجهَها بيدِها عنا .
قوله : " فَيَطْمَعَ " العامَّةُ على نصبه جواباً للنهي . والأعرج بالجزم فيكسِرُ العينَ لالتقاءِ الساكنين . ورُوي عنه وعن أبي السَّمَّال وابن عمر وابن محيصن بفتح الياء وكسر الميم . وهذا شاذٌّ ؛ حيث تَوافَقَ الماضي والمضارعُ في حَرَكةٍ . ورُوي عن الأعرج أيضاً أنه قرأ بضمِّ الياء وكسرِ الميم مِنْ أطمع . وهي تحتمل وجهين ، أحدهما : أَنْ يكونَ الفاعلُ ضميراً مستتراً عائداً على الخضوعُ المريضَ القلبِ . ويحتمل أن يكون " الذي " فاعلاً ، ومفعوله محذوف أي : فيُطْمِع المريضُ نفسَه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.