الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَتَّخَذۡنَٰهُمۡ سِخۡرِيًّا أَمۡ زَاغَتۡ عَنۡهُمُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ} (63)

قوله : { أَتَّخَذْنَاهُمْ } : قرأ الأخَوان وأبو عمروٍ بوَصْلِ الهمزةِ ، وهي تحتملُ وجهين ، أحدهما ، أَنْ يكونَ خبراً مَحْضاً ، وتكون الجملةُ في محلِّ نصبٍ صفةً ثانيةً ل " رِجالاً " كما وقع " كنا نَعُدُّهم " صفةً ، وأَنْ يكونَ المرادُ الاستفهامَ وحُذِفَتْ أداتُه لدلالةِ أم عليه كقوله :

تَرُوْحُ من الحيِّ أَمْ تَبْتَكِرْ *** وماذا عليك بأَنْ تَنْتَظِرْ

ف أم متصلةٌ على هذا ، وعلى الأول منقطعة بمعنى بل والهمزة لأنها لم تتقدَّمْها همزةُ استفهامٍ ولا تسويةٍ . والباقون بهمزةِ استفهامٍ سَقَطَتْ لأجلِها همزةُ الوصلِ . والظاهر أنه لا محلَّ للجملةِ حينئذٍ لأنها طلبيةٌ . وجَوَّزَ بعضُهم فيها أَنْ تكونَ صفةً لكنْ على إضمارِ القولِ أي : رجالاً مَقُولاً فيهم : أتخذناهم كقوله :

جاؤُوْا بمَذْقٍ هل رَأَيْتَ الذئبَ قَطْ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إلاَّ أنَّ الصفةَ في الحقيقةِ ذلك القولُ المضمرُ . وقد تقدَّم الخلافُ في " سِخْرِيَّاً " في { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ } . والمشهورُ أن المكسورَ في الهُزْء كقولِ الشاعر :

إني أتاني لِسانٌ لا أُسَرُّ بها *** مِنْ عَلْوَ لا كَذِبٌ فيها ولا سَخْرُ

وتقدَّم معنى لَحاقِ الياءِ المشددَّةِ في ذلك . وأم مع الخبرِ منقطعةٌ فقط كما تقدَّم ، ومع الاستفهام يجوزُ أَنْ تكونَ متصلةً ، وأن تكونَ منقطعةً كقولِك : " أزيدٌ عندك أم عندك عمروٌ " ، ويجوزُ أنْ يكونَ " أم زاغَتْ " متصلاً بقوله : " ما لنا " لأنه استفهامٌ ، إلاَّ أنه يَتَعَيَّنُ انقطاعُها لعَدَمِ الهمزةِ ، ويكون ما بينهما معترضاً على قراءةِ " أتَّخَذْناهم " بالاستفهام إنْ لم نجعَلْه صفةً على إضمارِ القولِ كما تقدَّمَ .