الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} (58)

قوله : { وَلاَ الْمُسِيءُ } : " لا " زائدةٌ للتوكيدِ لأنه لَمَّا طالَ الكلامُ بالصلة بَعُدَ قَسِيْمُ المؤمنين ، فأعاد معه " لا " توكيداً . وإنما قَدَّم المؤمنين لمجاوَرَتهم/ قولَه : " والبصير " ، واعلَمْ أنَّ التقابلَ يجيْءُ على ثلاثِ طرقٍ ، أحدُها : أَنْ يجاوِرَ المناسبُ ما يناسِبُه كهذه الآيةِ . والثانية : أَنْ يتأخَّرَ المتقابِلان كقولِه تعالى : { مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ } [ هود : 24 ] . والثالثة : أن يُقَدِّمَ مقابلَ الأولِ ، ويُؤَخِّرَ مقابلَ الآخر ، كقولِه تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلاَ الظُّلُمَاتُ وَلاَ النُّورُ } [ فاطر : 19 ] وكلُّ ذلك تَفَنُّنٌ في البلاغة . وقَدَّم الأعمى في نَفْيِ التساوي لمجيئِه بعد صفةِ الذم في قولِه { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } .

قوله : " تَتَذَكَّرون " قرأ الكوفيون بتاء الخطاب ، والباقون بياءِ الغَيْبة . فالخطابُ على الالتفاتِ للمذكورَيْن بعد الإِخبار عنهم ، والغيبةُ نظراً لقولِه : { إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ } وهم الذين التفتَ إليهم في قراءةِ الخطاب .