فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} (58)

ثم لما ذكر سبحانه الجدال بالباطل ذكر مثالا للباطل والحق ، وأنهما لا يستويان فقال : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ } أي الذي يجادل بالباطل الذي يجادل بالحق ، أو الغافل والمستبصر { وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } أي ولا يستوي المحسن بالإيمان والعمل الصالح .

{ وَلَا الْمُسِيءُ } بالكفر والمعاصي ، وزيادة { لا } للتأكيد ، والتقابل يجيء على ثلاث طرق إحداها أن يجاور المناسب ما يناسبه كهذه الآية ، والثانية أن يتأخر المتقابلان كقوله تعالى { مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ } ، والثالثة أن يقدم مقابل الأول ويؤخر مقابل الآخر ، كقوله تعالى { وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ، وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ } وكل ذلك تفنن في البلاغة ، وقدم الأعمى في نفي التساوي لمجيئه بعد صفة الذم في قوله { وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } .

{ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ } بالتحتية على الغيبة لأن قبلها وبعدها على الغيبة لا على الخطاب ، واختارها أبو عبيد وأبو حاتم ، وبالفوقية على الخطاب بطريقة الالتفاف وفائدته في مقام التوبيخ هي إظهار العنف الشديد ، والإنكار البليغ أفاده الكرخي .