البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَعۡمَىٰ وَٱلۡبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ وَلَا ٱلۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ} (58)

ولما بعد ، قسم الذين آمنوا بطول صلة الموصول ، كرر لا توكيداً ، وقدم { والذين آمنوا } المجاورة قوله : { والبصير } ، وهما طريقان ، أحدهما : أن يجاور المناسب هكذا ، والآخر : أن يتقدم ما يقابل الأول ويؤخر ما يقابل الآخر ، كقوله تعالى : { وما يستوي الأعمى والبصير ، ولا الظلمات ولا النور و لا الظل ولا الحرور } وقد يتأخر المتماثلان ، كقوله تعالى : { مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع } وكل ذلك تفنن في البلاغة وأساليب الكلام .

ولما كان قد تقدم : { ولكن أكثر النار لا يعلمون } ، فكان ذلك صفة ذم ناسب أن يبدأ في ذكر التساوي بصفة الذم ، فبدأ بالأعمى .

وقرأ قتادة ، وطلحة ، وأبو عبد الرحمن ، وعيسى ، والكوفيون : تتذكرون بتاء الخطاب ؛ والجمهور ، والأعرج ، والحسن ، وأبو جعفر ، وشيبة : بالياء على الغيبة .