الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٞۖ فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمۡ لَا يَسۡتَأۡخِرُونَ سَاعَةٗ وَلَا يَسۡتَقۡدِمُونَ} (34)

قوله تعالى : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ } : خبر مقدم ، ولا حاجة إلى حذف مضاف كما زعم بعضُهم أن التقديرَ : ولكلِّ أحدٍ من أمةٍ أَجَلٌ أي عُمْرٌ ، كأنه توهَّم أن كل أحد له عمرٌ مستقلٌّ ، وأن هذا مراد الآية الكريمة ، ومراد الآية أعمُّ من ذلك . وقوله { فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ } قال بعضهم : " كل موضع في القرآن من شِبْهِ هذا التركيب فإنَّ الفاءَ داخلةٌ على " إذا " إلا في يونس أما في يونس فيأتي حكمُها ، وأمَّا سائر المواضع فقال : " لأنها عَطَفَتْ جملةً على أخرى بينهما اتصالٌ وتعقيب ، فكان الموضعُ موضعَ الفاء " . وقرأ الحسن وابن سيرين " آجالهم " جمعاً .

قوله : { لاَ يَسْتَأْخِرُونَ } : جوابُ " إذا " ، والمضارعُ المنفيُّ ب " لا " إذا وقع جواباً ل " إذا " في الظاهر جاز أن يُتَلقَّى بالفاء وأن لا يُتَلَقَّى بها . قال الشيخ : " وينبغي أن يُعْتَقَدَ أنَّ بين الفاء والفعل بعدها اسماً مبتدأ فتصير الجملةُ اسميةً ، ومتى كانت كذلك وَجَبَ أن تَتَلَقَّى بالفاء أو إذا الفجائية " . و " ساعة " نصبٌ على الظرف وهي مَثَلٌ في قلة الزمان .

قوله : { وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } هذا مستأنفٌ ، معناه الإِخبار بأنهم لا يَسْبقون أَجَلَهم المضروبَ لهم بل لا بد من استيفائهم إياه ، كما أنهم لا يتأخرون عنه أقلَّ زمان . وقال الحوفي وغيرُه : " إنه معطوفٌ على " لا يستأخرون " وهذا لا يجوزُ ، لأن " إذا " إنما يترتَّب عليها وعلى ما بعدها الأمورُ المستقبلة لا الماضية ، والاستقدامُ بالنسبة إلى مجيء الأجل متقدم عليه فكيف يترتب عليه ؟ ويصير هذا من باب الإِخبار بالضروريات التي لا يَجْهل أحدٌ معناها ، فيصير نظير قولك : " إذا قمت فيما يأتي لم يتقدم قيامك فيما مضى " ومعلوم أن قيامَك في المستقبل لم يتقدَّمْ قيامك هذا .

وقال الواحدي : " إن قيل : ما معنى هذا مع استحالة التقديم على الأجل وقتَ حضوره ؟ وكيف يَحْسُن التقديمُ مع هذا الأجل ؟ قيل : هذا على المقاربة لأنَّ العربَ تقول : " جاء الشيء " إذا قَرُب وقتُه ، ومع مقاربة الأجل يُتَصور الاستقدامُ ، وإن كان لا يتصور مع الانقضاء ، والمعنى : لا يستأخرون عن آجالهم إذا انقضَتْ ولا يَسْتقدمون عليها إذا قاربت الانقضاء " . قلت : هذا بناءً منه على أنه معطوفٌ على " لا يستأخرون " وهو ظاهرُ أقوال المفسرين .