الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡيَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ} (33)

قوله تعالى : { مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } : تقدَّم في آخر السورة قبلها . وقوله : " والإِثم " الظاهرُ أنها الذنب . وقيل : هو الخمر هنا ، قاله الفضل وأنشد :

نهانا رسولُ الله أَنْ نقرَب الزِّنى *** وأن نشرب الإِثمَ الذي يُوجب الوِزْرا

وأنشد الأصمعي :

ورُحْتُ حزيناً ذاهلَ العقل بعدهمْ *** كأني شربتُ الإِثمَ أو مَسَّني خَبَلُ

قال : وقد تُسَمَّى الخمرُ إثماً ، وأنشد :

شَرِبْتُ الإِثمَ حتى ضَلَّ عقلي *** كذاك الإِثمُ يَذْهب بالعقولِ

ويُروى عن ابن عباس والحسن البصري أنهما قالا : " الإِثم : الخمر " . قال الحسن : " وتصديق ذلك قولُه : { قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ } [ البقرة : 219 ] والذي قاله الحذَّاقُ : إن الإِثم ليس من أسماء الخمر . قال ابن الأنباري : " الإثم لا يكون اسماً للخمر ؛ لأن العرب لم تُسَمِّ الخمر إثماً في جاهلية ولا إسلام ، وقول ابن عباس والحسن لا ينافي ذلك ، لأن الخمر سبب الإِثم بل هي معظمه فإنها مؤجِّجةٌ للفتن ، وكيف يكون ذلك وكانت الخمرُ حين نزول هذه السورة حلالاً ؛ لأن هذه السورةَ مكية ، وتحريمُ الخمر إنما كان في المدينة بعد أُحُدٍ ، وقد شربها جماعةٌ من الصحابة يوم أحد فماتوا شهداء وهي في أجوافهم . وأمَّا ما أنشده الأصمعي من قوله " شَرِبت الإِثم " فقد نَصُّوا أنه مصنوعٌ ، وأما غيره فالله أعلم " .

و { بِغَيْرِ الْحَقِّ } حالٌ ، وهي مؤكدة لأن البغي لا يكون إلا بغير حق و " أَنْ تُشْرِكوا " منصوبُ المحلِّ نسقاً على مفعول " حَرَّمَ " أي : وحَرَّم إشراكَكَم عليكم ، ومفعولُ الإِشراك { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً } وقد تقدَّم بيانُه في الأنعام . و { أَن تقولوا } أيضاً نسقٌ على ما قبله أي : وحرَّم قولكم عليه مِنْ غير علمٍ . وقال الزمخشري : " ما لم يُنّزِّل به سلطاناً : تهكُّمٌ بهم لأنه/ لا يجوزُ أن يُنْزِلَ برهاناً أَنْ يُشْرَكَ به غيرُه " .