الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَوَأَمِنَ أَهۡلُ ٱلۡقُرَىٰٓ أَن يَأۡتِيَهُم بَأۡسُنَا ضُحٗى وَهُمۡ يَلۡعَبُونَ} (98)

قوله تعالى : { ضُحَىً } : منصوبٌ على الظرف الزماني ، ويكون متصرفاً وغير متصرف ، فالمتصرِّفُ ما لم يُرَدْ به وقتُه من يومٍ بعينه نحو : " ضُحاك ضحىً مبارك " . فإن قلت : " أتيتك يوم الجمعة ضحىً " فهذا لا يَتَصرف بل يلزم النصبَ على الظرفية ، وهذه العبارةُ أحسنُ من عبارة الشيخ حيث قال : " ظرفٌ متصرف إذا كان نكرةً ، وغيرَ متصرف إذا كان من يوم بعينه لأنَّه تَوَهَّم متى كان معرفةً بأي نوع كان من أنواع التعريف فإنه لا يتصرَّفُ ، وليس الأمر كذلك ، قال تعالى : { وَالضُّحَى }

[ الضحى : 1 ] فاستعمله مجروراً بالقسم مع أنه معرفة بأل ، وقال تعالى :

{ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } [ الشمس : 1 ] جرَّه بحرف القسم أيضاً مع أنه معرَّفٌ بالإِضافة ، وهو امتداد الشمس وامتداد النهار .

ويقال : ضُحى وضَحاء ، إذا ضَمَمْتَ قَصَرْتَ وإذا فتحت مَدَدْتَ . وقال بعضهم : الضُّحى بالضم والقصرِ لأولِ ارتفاع الشمس ، والضَّحاء بالفتح والمدّ لقوة ارتفاعها قبل الزوال . والضُّحى مؤنث ، وشذُّوا في تصغيره على ضُحَيٌّ بدون تاء كعُرَيْب وأخواتها ، والضَّحاء أيضاً طعامُ الضحى كالغَداء طعام وقت الغُدْوَة يقال منهما : يُضَحِّي ضَحاءً وتَغَدَّى غَداءً . وضَحِيَ يَضْحَى إذا برز للشمسِ وقت الضحى ، ثم عُبِّر به عن إصابة الشمس مطلقاً ومنه قولُه { وَلاَ تَضْحَى } [ طه : 119 ] أي لا تبرز للشمس . ويقال : ليلة أُضْحِيانَةٌ بضم الهمزة . وضَحْياء بالمد أي : مضيئة إضاءة الضحى ، والأُضْحِيَة/ وجمعها أَضاحٍ ، والضَّحيَّة وجمعها ضحايا ، والأَضْحاة وجمعها أضْحَىً هي المذبوحُ يوم النحر ، سُمِّيَتْ بذلك لذَبْحها ذلك الوقتَ لقوله عليه السلام : " مَنْ ذبح قبل صلاتِنا هذه فَلْيُعِدْ " وضواحي البلد نواحيه البارزة .

وقوله : { وَهُمْ يَلْعَبُونَ } حالٌ ، وهذا يقوِّي أن " بياتاً " ظرف لا حال ، لتتطابق الجملتان ، فيصير في كل منهما وقتٌ وحال ، وأتى بالحال الأولى متضمنةً لاسم فاعل لأنه يدلُّ على ثبات واستقرار وهو مناسب للنوم ، وبالثانية متضمنةً لفعل ؛ لأنه يدل على التجدد والحدوث وهو مناسب لِلَّعب والهزل .

وقرأ نافع وابن عامر وابن كثير " أو " بسكون الواو والباقون بفتحها . ففي القراءة الأولى تكون " أو " بجملتها حرفَ عطف ومعناها حينئذ التقسيم . وزعم بعضهم أنها للإِباحة والتخيير . وليس بظاهر ، وفي الثانية هي واو العطف دخلَتْ عليها همزةُ الاستفهام مقدمةً عليها لفظاً ، وإن كانت بعدها تقديراً عند الجمهور . وقد عُرِف مذهب الزمخشري في ذلك ، ومعنى الاستفهام هنا التوبيخ والتقريع . وقال بعضهم : " إنه بمعنى النفي " كأبي شامة وغيره .

وكررت الجملة في قوله تعالى : { أَوَ أَمِنَ أَهْلُ } : " أفأمِنُوا " توكيداً لذلك ، وأتى في الجملة الثانية بالاسم ظاهراً ، وحَقُّه أن يضمر مبالغةً في التوكيد .