الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَمَا وَجَدۡنَا لِأَكۡثَرِهِم مِّنۡ عَهۡدٖۖ وَإِن وَجَدۡنَآ أَكۡثَرَهُمۡ لَفَٰسِقِينَ} (102)

قوله تعالى : { لأَكْثَرِهِم } : الظاهرُ أنه متعلِّقٌ بالوِجْدان كقولك : ما وَجَدْت له مالاً أي : ما صادَفْتُ له مالاً ولا لَقِيْتُه . الثاني : أن يكون حالاً من " عهد " لأنه في الأصل صفةُ نكرةٍ فلمَّا قُدِّم عليها نُصِب على الحال ، والأصل : وما وَجَدْنا عهداً لأكثرهم ، وهذا ما لم يذكر أبو البقاء غيره . وعلى هذين الوجهين ف " وجد " متعدية لواحد وهو " مِنْ عهد " ، و " مِنْ " مزيدة فيه لوجودِ الشرطين . الثالث : أنه في محل نصب مفعولاً ثانياً لوجد إذ هي بمعنى عِلْمية ، والمفعول هو " من عهد " . وقد يترجَّح هذا بأن " وَجَد " الثانيةَ عِلْمية لا وِجْدانية بمعنى الإِصابة ، وسيأتي دليل ذلك . فإذا تقرَّر هذا فينبغي أن تكونَ الأولى كذلك مطابقةً للكلام ومناسبة له . ومَنْ يرجِّح الأولَ يقول : إنَّ الأولى لمعنى ، والثانية لمعنى آخر .

قوله : { وَإِن وَجَدْنَآ } " إنْ " هذه هي المخففة ، وليست هنا عاملةٌ لمباشرتها الفعلَ فزال اختصاصُها المقتضي لإِعمالها . وقال الزمخشري : " وإنَّ الشأنَ والحديثَ وَجَدْنا " فظاهرُ هذه العبارة أنها مُعْمَلة ، وأنَّ اسمَها ضميرُ الأمر والشأن . وقد صَرَّح أبو البقاء هنا بأنها معملةٌ وأن اسمَها محذوفٌ ، إلا أنه لم يقدِّره ضميرَ الحديث بل غيرَه . فقال : " واسمُها محذوفٌ أي : إنَّا وجدنا " وهذا مذهب النحويين أعني اعتقادَ إعمالِ المخففِ من هذه الحروفِ في " أنْ " المفتوحة على الصحيح وفي " كأنْ " التشبيهية ، وأما " إنْ " المخففةُ المكسورةُ فلا . وقد تقدَّم ذلك بأوضح من هذا .

ووجد هنا متعديةٌ لاثنين أولهما " أكثرهم " ، والثاني " لَفاسقين " . قال الزمخشري : " والوجودُ بمعنى العلم من قولك : " وَجَدْتُ زيداً ذا الحفاظ " بدليل دخول " إنْ " المخففة ، واللامُ الفارقة ، ولا يَسُوغ ذلك إلا في المبتدأ والخبر والأفعالِ الداخلةِ عليهما " يعني أنها مختصةٌ بالابتداء أو بالأفعالِ الناسخة له ، وهذا مذهب الجمهور ، وقد تقدَّم لك خلافٌ عن الأخفش : أنه يُجَوِّز على غيرها وقَدَّمْتُ دليله على ذلك . واللام فارقةٌ . وقيل : هي عوضٌ من التشديد . قال مكي : " ولَزِمَتِ اللامُ في خبرها عوضاً من التشديد " . والمحذوفُ الأول . وتقدَّم/ الكلامُ أيضاً أن بعض الكوفيين يجعلون " إنْ " نافيةً ، واللامَ بمعنى " إلا " في قوله تعالى : { وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً } [ البقرة : 143 ] .