الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ثُمَّ بَعَثۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِم مُّوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ فَظَلَمُواْ بِهَاۖ فَٱنظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُفۡسِدِينَ} (103)

قوله تعالى : { فَظَلَمُواْ بِهَا } : يجوز أن يُضَمَّن " ظلموا " معنى كفروا فيتعدَّى بالباء كتعديته . ويؤيِّده { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] . ويجوز أن تكون الباءُ سببيةٌ ، والمفعولُ محذوفٌ تقديره : فظلموا أنفسَهم ، أو ظلموا الناس بمعنى صَدُّوهم عن الإِيمان بسبب الآيات . وقوله " لأكثرهم " و " أكثرهم " و " مِنْ بعدهم " : إن جعلنا هذه الضمائرَ كلَّها للأممِ السالفة فلا اعتراض ، وإن جَعَلْنا الضميرَ في " لأكثرهم " و " أكثرهم " لعمومِ الناس والضميرَ في " من بعدهم " للأمم السالفة كانت هذه الجملةُ أعني " وما وجدنا " اعتراضاً . كذا قاله الزمخشري ، وفيه نظر : لأنه إذا كان الأولُ عاماً ثم ذُكِر شيء يندرج فيه ما بعده وما قبله كيف يُجْعل ذلك العامُّ معترضاً بين الخاصَّين . وأيضاً فالنحويون إنما يُعَرِّفون الاعتراض فيما اعتُرض به بين متلازِمَيْن ، إلا أنَّ أهلَ البيان عندهم الاعتراضُ أعمُّ من ذلك ، حتى إذا أُتي بشيء بين شيئين مذكورَيْن في قصة واحدة سَمَّوْه اعتراضاً .

قوله : { كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ } " كيف " خبرٌ لكان مقدَّمٌ عليها واجبُ التقديمِ ، لأنَّ له صدرَ الكلامِ ، و " عاقبة " اسمها ، وهذه الجملةُ الاستفهاميةُ في محلِّ نصبٍ على إسقاطِ حرف الجر إذ التقديرُ : فانظر إلى كذا .