البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا لِتَلۡفِتَنَا عَمَّا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلۡكِبۡرِيَآءُ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَمَا نَحۡنُ لَكُمَا بِمُؤۡمِنِينَ} (78)

لفت عنقه لوها وصرفها .

وقال الأزهري : لفت الشيء وقتله لواه ، وهذا من المقلوب انتهى .

ومطاوع لفت التفت ، وقيل : انفتل .

{ قالوا : أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين .

وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم .

فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون .

فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين .

ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون } أجئتنا خطاب لموسى وحده ، لأنه هو الذي ظهرت على يديه معجزة العصا واليد .

لتصرفنا وتلوينا عن ما وجدنا عليه آباءنا من عبادة غير الله ، واتخاذ إله دونه .

والكبرياء مصدر .

قال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، وأكثر المتأولين : المراد به هنا الملك ، إذ الملوك موصوفون بالكبر ، ولذلك قيل للملك الجبار ، ووصف بالصد والشرس .

وقال ابن الرقيات في مصعب بن الزبير :

ملكه ملك رأفة ليس فيه *** جبروت منه ولا كبرياء

يعني ما عليه الملوك من ذلك .

وقال ابن الرقاع :

سؤدد غير فاحش لا يداني *** ه تحبارة ولا كبرياء

وقال الأعمش : الكبرياء العظمة .

وقال ابن زيد : العلو .

وقال الضحاك أيضاً : الطاعة ، والأرض هنا أرض مصر .

وقرأ ابن مسعود ، وإسماعيل ، والحسن فيما زعم خارجة ، وأبو عمرو ، وعاصم : بخلاف عنهما ، وتكون بالتاء لمجاز تأنيث الكبرياء ، والجمهور بالياء لمراعاة اللفظ ، والمعنى : أنهم قالوا مقصودك في ذكره إلينا بما جئت ، هو أنْ ننتقل من دين آبائنا إلى ما تأمر به ونطيعك ، ويكون لكما العلو والملك علينا بطاعتنا لك ، فنصير أتباعاً لك تاركين دين آبائنا ، وهذا مقصود لا نراه ، فلا نصدقك فيما جئت به إذ غرضك إنما هو موافقتك على ما أنت عليه ، واستعلاؤك علينا .

فالسبب الأول هو التقليد ، والثاني الجد في الرئاسة حتى لا تكونوا تبعاً .

واقتضى هذان السببان اللذان توهموهما مقصوداً التصريح بانتفاء الإيمان الذي هو سبب لحصول السببين .

ويجوز أن يقصدوا الذم بأنهما إنْ ملكا أرض مصر تكبرا وتجبرا كما قال القبطي : إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض .

ولما ادعوا أنّ ما جاء به موسى هو سحر ، أخذوا في معارضته بأنواع من السحر ، ليظهر لسائر الناس أنّ ما أتى به موسى من باب السحر .