البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞وَقَالَ نِسۡوَةٞ فِي ٱلۡمَدِينَةِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ تُرَٰوِدُ فَتَىٰهَا عَن نَّفۡسِهِۦۖ قَدۡ شَغَفَهَا حُبًّاۖ إِنَّا لَنَرَىٰهَا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ} (30)

النسوة بكسر النون فعلة ، وهو جمع تكسير للقلة لا واحد له من لفظه .

وزعم ابن السراج أنه اسم جمع .

وقال الزمخشري : النسوة اسم مفرد لجمع المرأة ، وتأنيثه غير حقيقي ، ولذا لم تلحق فعله تاء التأنيث انتهى .

وعلى أنه جمع تكسير لا يلحق التاء لأنه يجوز : قامت الهنود ، وقام الهنود .

وقد تضم نونه فتكون إذ ذاك اسم جمع ، وتكسيره للكثرة على نسوان ، والنساء جمع تكسير للكثرة أيضاً ، ولا واحد له من لفظه .

شغف : خرق الشغاف ، وهو حجاب القلب .

وقيل : سويداؤه ، وقيل : داء يصل إلى القلب فينفذ إلى القلب .

وكسر الغين لغة تميم .

وقيل : الشغاف جلدة رقيقة يقال لها لسان القلب ، شغف وصلت الحدة إلى القلب فكان يحترق من شغف البعير إذا هنأه فأحرقه بالقطران ، والمشغوف الذي أحرق الحب قلبه .

ومنه قول الأعشى :

يعصي الوشاة وكان الحب آونة *** مما يزين للمشفوف ما صنعا

وقد تكسر غينه .

{ وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حباً إنا لنراها في ضلال مبين } : لم تلحق تاء التأنيث لأنه جمع تكسير المؤنث ، ويجوز فيه الوجهان .

ونسوة كما ذكرنا جمع قلة .

وكن على ما نقل خمساً : امرأة خبازة ، وامرأة ساقية ، وامرأة بوابة ، وامرأة سجانة ، وامرأة صاحب دوابة في المدينة هي مصر .

ومعنى في المدينة : أنهم أشاعوا هذا الأمر من حب امرأة العزيز ليوسف ، وصرحوا بإضافتها إلى العزيز مبالغة في التشنيع ، لأن النفوس أقبل لسماع ذوي الأخطار وما يجري لهم .

وعبرت بتراود وهو المضارع الدال على أنه صار ذلك سجية لها ، تخادعه دائماً عن نفسه كما تقول : زيد يعطي ويمنع .

ولم يقلن : راودت فتاها ، ثم نبهن على علة ديمومة المراودة وهي كونه قد شغفها حباً أي : بلغ حبه شغاف قلبها .

وانتصب حباً على التمييز المنقول من الفاعل كقوله : ملأت الإناء ماء ، أصله ملأ الماء الإناء .

وأصل هذا شغفها حبه ، والفتى الغلام وعرفه في المملوك .

وفي الحديث : « لا يقل أحدكم عبدي وأمتي وليقل فتاي وفتاتي » ، وقد قيل في غير المملوك .

وأصل الفتى في اللغة الشاب ، ولكنه لما كان جل الخدمة شباناً استعير لهم اسم الفتى .

وقرأ ثابت البناتي : شغفها بكسر الغين المعجمة ، والجمهور بالفتح .

وقرأ علي بن أبي طالب ، وعلي بن الحسين ، وابنه محمد بن علي ، وابنه جعفر بن محمد ، والشعبي ، وعوف الأعرابي : بفتح العين المهملة ، وكذلك قتادة وابن هرمز ومجاهد وحميد والزهري بخلاف عنهم ، وروي عن ثابت البناني وابن رجاء كسر العين المهملة .

قال ابن زيد : الشغف في يالحب ، والشغف في البغض .

وقال الشعبي : الشغف والمشغوف بالغين منقوطة في الحب ، والشغف الجنون ، والمشغوف المجنون .

وأدغم النحويان ، وحمزة ، وهشام ، وابن محيصن دال قد في شين شغفها .

ثم نقمن عليها ذلك فقلن : إنا لنراها في ضلال مبين أي : في تحير واضح للناس .