البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُۥ نَاجٖ مِّنۡهُمَا ٱذۡكُرۡنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَىٰهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ ذِكۡرَ رَبِّهِۦ فَلَبِثَ فِي ٱلسِّجۡنِ بِضۡعَ سِنِينَ} (42)

وقال أي : يوسف للذي ظن : أي أيقن هو أي يوسف : إنه ناج وهو الساقي .

ويحتمل أن يكون ظن على بابه ، والضمير عائد على الذي وهو الساقي أي : لما أخبره يوسف بما أخبره ، ترجح عنده أنه ينجو ، ويبعد أن يكون الظن على بابه ، ويكون مسنداً إلى يوسف على ما ذهب إليه قتادة والزمخشري .

قال قتادة : الظن هنا على بابه ، لأن عبارة الرؤيا ظن .

وقال الزمخشري : الظان هو يوسف عليه السلام إن كان تأويله بطريق الاجتهاد فيبعد ، لأنه قوله : قضي الأمر ، فيه تحتم ما جرى به القدر وإمضاؤه ، فيظهر أن ذلك بطريق الوحي ، إلا أن حمل قضي الأمر على قضى كلامي ، وقلت ما عندي ، فيجوز أن يعود على يوسف .

فالمعنى أن يوسف عليه السلام قال لساقي الملك حين علم أنه سيعود إلى حالته الأولى مع الملك : اذكرني عند الملك أي : بعلمي ومكانتي وما أنا عليه مما آتاني الله ، أو اذكرني بمظلمتي وما امتحنت به بغير حق .

وهذا من يوسف على سبيل الاستعانة والتعاون في تفريج كربه ، وجعله بإذن الله وتقديره سبباً للخلاص كما جاء عن عيسى عليه السلام : { من أنصاري إلى الله } وكما كان الرسول يطلب من يحرسه .

والذي أختاره أن يوسف إنما قال لساقي الملك : اذكرني عند ربك ليتوصل إلى هدايته وإيمانه بالله ، كما توصل إلى إيضاح الحق للساقي ورفيقه .

والضمير في فأنساه عائد على الساقي ، ومعنى ذكر ربه : ذكر يوسف لربه ، والإضافة تكون بأدنى ملابسة .

وإنساء الشيطان له بما يوسوس إليه من اشتغاله حتى يذهل عما قال له يوسف ، لما أراد الله بيوسف من إجزال أجره بطول مقامه في السجن .

وبضع سنين مجمل ، فقيل : سبع ، وقيل : اثنا عشر .

والظاهر أن قوله : فلبث في السجن ، إخبار عن مدّة مقامه في السجن ، منذ سجن إلى أن أخرج .

وقيل : هذا اللبث هو ما بعد خروج الفتيين وذلك سبع .

وقيل : سنتان .

وقيل : الضمير في أنساه عائد على يوسف .

ورتبوا على ذلك أخباراً لا تليق نسبتها إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام .