البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱللَّهُ يَبۡسُطُ ٱلرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقۡدِرُۚ وَفَرِحُواْ بِٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَمَا ٱلۡحَيَوٰةُ ٱلدُّنۡيَا فِي ٱلۡأٓخِرَةِ إِلَّا مَتَٰعٞ} (26)

ولما كان كثير من الأشقياء فتحت عليهم نعم الدنيا ولذاتها أخبر تعالى أنه هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ، والكفر والإيمان لا تعلق لهما بالرزق .

قد يقدر على المؤمن ليعظم أجره ، ويبسط للكافر إملاء لازدياد آثامه .

ويقدر مقابل يبسط ، وهو التضييق من قوله : { ومن قدر عليه رزقه } وعليه يحمل { فظن أنْ لن نقدر عليه } وقول ذلك الذي أحرق وذري في البحر : «لئن قدر الله على » أي لئن ضيق .

وقيل : يقدر يعطي بقدر الكفاية .

وقرأ زيد بن علي : ويقدر بضم الدال ، حيث وقع والضمير في فرحوا عائد على الذين ينقضون ، وهو استئناف إخبار عن جهلهم بما أوتوا من بسطة الدنيا عليهم ، وفرحهم فرح بطر وبسط لا فرح سرور بفضل الله وإنعامه عليهم ، ولم يقابلوه بالشكر حتى يستوجبوا نعيم الآخرة بفضل الله به ، واستجهلهم بهذا الفرح إذ هو فرح بما يزول عن قريب وينقضي .

ويبعد قول من ذهب إلى أنه معطوف على صلات .

والذين ينقضون أي : يفسدون في الأرض ، وفرحوا بالحياة الدنيا .

وفي الكلام تقديم وتأخير .

ومتاع : معناه ذاهب مضمحل يستمتع به قليلاً ثم يفنى .

كما قال الشاعر :

تمتع يا مشعث إن شيئاً *** سبقت به الممات هو المتاع

وقال آخر :

أنت نعم المتاع لو كنت تبقى *** غير أن لا بقاء للإنسان

وقال آخر :

تمتع من الدنيا فإنك فان *** من النشوات والنساء الحسان

قال الزمخشري : خفي عليهم أن نعيم الدنيا في جنب نعيم الآخرة ليس إلا شيئاً نذراً ، يتمتع به كعجالة الراكب ، وهو ما يتعجله من تميرات أو شربة سويق أو غير ذلك انتهى .

وهذا معنى قول الحسن : أعلم الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن الحياة الدنيا في جنب ما أعد الله لأوليائه في الآخرة نذر ليس يتمتع به كعجالة الراكب ، وهو ما يتعجله من تميرات أو شربة سويق أو غير ذلك .

وقال ابن عباس : زاد كزاد الرعي .

وقال مجاهد : قليل ذاهب من متع النهار إذا ارتفع فلا بد له من زوال .