البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْ شُرَكَآءَهُمۡ قَالُواْ رَبَّنَا هَـٰٓؤُلَآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدۡعُواْ مِن دُونِكَۖ فَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡهِمُ ٱلۡقَوۡلَ إِنَّكُمۡ لَكَٰذِبُونَ} (86)

والظاهر أن قوله : شركاءهم ، عام في كل من اتخذوه شريكاً لله من صنم ووثن وآدمي وشيطان وملك ، فيكذبهم من له منهم عقل ، فيكون : فألقوا عائداً على من له الكلام ، ويجوز أن يكون عاماً ينطق الله تعالى بقدرته الأوثان والأصنام .

وإضافة الشركاء إليهم على هذا القول لكونهم هم الذين جعلوهم شركاء لله .

وقال الحسن : شركاؤهم الشياطين ، شركوهم في الأموال والأولاد كقوله تعالى : { وشاركهم في الأموال والأولاد } وقيل : شركاؤهم في الكفر .

وعلى القول الأول شركاؤهم في أنْ اتخذوهم آلهة مع الله وعبدوهم ، أو شركاؤهم في أنْ جعلوا لهم نصيباً من أموالهم وأنعامهم ، والظاهر أنّ القول منسوب إليهم حقيقة .

وقيل : منسوب إلى جوارحهم ، لأنهم لما أنكروا الإشراك بقولهم : { إلا أن قالوا : والله ربنا ما كنا مشركين } أصمت الله ألسنتهم وأنطق جوارحهم .

ومعنى : تدعو ، ونعبد قالوا ذلك رجاء أن يشركوا معهم في العذاب ، إذ يحصل التأسي ، أو اعتذاراً عن كفرهم إذ زين لهم الشيطان ذلك وحملهم عليه ، إن كان الشركاء هم الشياطين .

وقال أبو مسلم الأصبهاني .

قالوا : ذلك إحالة هذا الذنب على تلك الأصنام ، وظناً أن ذلك ينجيهم من عذاب الله أو من عذابهم ، فعند ذلك تكذيبهم تلك الأصنام .

وقال القاضي : هذا بعيد ، لأنّ الكفار يعلمون علماً ضرورياً في الآخرة أن العذاب سينزل بهم ، ولا نصرة ، ولا فدية ، ولا شفاعة .

وتقدم الإخبار بأنهم شركاء ، والإخبار أنهم كانوا يدعونهم : أي يعبدونهم ، فاحتمل التذكيب أن يكون عائداً للإخبار الأول أي : لسنا شركاء لله في العبادة ، ولا آلهة نزهوا الله تعالى عن أن يكونوا شركاء له .

واحتمل أن يكون عائداً على الإخبار الثاني وهو العبادة ، لما لم يكونوا راضين بالعبادة جعلوا عبادتهم كلا عبادة ، أو لما لم يدعوهم إلى العبادة .

ألا ترى أنّ الأصنام والأوثان لا شعور لها بالعبادة ، فضلاً عن أن يدعو وإن من عبد من صالحي المؤمنين والملائكة ، لم يدع إلى عبادته .

وإن كان الشركاء الشياطين جاز أن يكونوا كاذبين في إخبارهم بكذب من عبدهم ، كما كذب إبليس في قوله :

{ إني كفرت بما اشركتمون من قبل }