البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذۡتَ إِلَٰهًا غَيۡرِي لَأَجۡعَلَنَّكَ مِنَ ٱلۡمَسۡجُونِينَ} (29)

فتوعد موسى بالسجن حين أعياه خطابه : { قال لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين } .

وقال الزمخشري : لما أجاب موسى بما أجاب ، عجب قومه من جوابه ، حيث نسب الربوبية إلى غيره ، فلما ثنى بتقرير قوله ، جننه إلى قومه وظنن به ، حيث سماه رسولهم ، فلما ثلث احتد واحتدم ، وقال : { لئن اتخذت إلهاً غيري } .

فإن قلت : كيف قال : أولاً : { إن كنتم موقنين } ، وآخراً : { إن كنتم تعقلون } ؟ قلت : لأين أولاً ، فلما رأى شدة الشكيمة في العناد وقلة الإصغاء إلى عرض الحجج ، خاشن وعارض إن رسولكم لمجنون بقوله : { إن كنتم تعقلون } .

فإن قلت : ألم يكن لأسجننك أخصر من { لأجعلنك من المسجونين } ومؤدّياً مؤدّاه ؟ قلت : أما أخصر فنعم ، وأما مؤدّياً مؤدّاه فلا ، لأن معناه : لأجعلنك واحداً ممن عرفت حالهم في سجوني .

وكان من عادته أن يأخذ من يريد سجنه فيطرحه في هوّة ذاهبة في الأرض بعيدة العمق فرداً ، لا يبصر فيها ولا يسمع ، فكان ذلك أشد من القتل . انتهى .