القرح والقرح لغتان ، كالضعف والضعف ، والكره والكره : الفتحُ لغة الحجاز : وهو الجرح .
وبدلت قرحاً دامياً بعد صحة *** لعل منايانا تحولن أبؤسا
ومن قال : القَرح بالفتح الجرح ، وبالضم المد ، فيحتاج في ذلك إلى صحة نقل عن العرب .
وأصل الكلمة الخلوص ، ومنه : ماء قراح لا كدورة فيه ، وأرض قراح خالصة الطين ، وقريحة الرجل خالصة طبعه .
المداولة : المعاودة ، وهي المعاهدة مرة بعد مرة .
يقال : داولت بينهم الشيء فتداولوه .
يرد المياه فلا يزال مداويا *** في الناس بين تمثل وسماع
وأدلته جعلت له دولة وتصريفاً ، والدولة بالضم المصدر ، وبالفتح الفعلة الواحدة ، فلذلك يقال : في دولة فلان ، لأنها مرة في الدهر .
والدور والدول متقاربان ، لكن الدور أعم .
فإن الدولة لا تقال إلا في الحظ الدنيوي .
{ إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله } المعنى : إن نالوا منكم يوم أحد فقد نلتم منهم يوم بدر ، ثم لم يضعفوا إنْ قاتلوكم بعد ذلك ، فلا تضعفوا أنتم .
أو فقد مس القوم في غزوة أحد قبل مخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحوه ، فإنهم يألمون كما تألمون ، وترجون من الله ما لا يرجون .
وهذه تسلية منه تعالى للمؤمنين والتأسي فيه أعظم مسلاة .
ولولا كثرة الباكين حولي *** على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن *** أعزي النفس عنه بالتأسي
وقال ابن عباس والحسن : أصاب المؤمنين يوم أحد ما أصاب المشركين يوم بدر ، استشهد من المؤمنين يوم أحد سبعون .
وقال الزمخشري : قتل يومئذ أي يوم أحد خلق من الكفار ، ألا ترى إلى قوله تعالى : { إذ تحسونهم بإذنه } فعلى قوله يكون مس القوم قرح مثله يوم بدر .
وأبعد من ذهب إلى أن القوم هنا الأمم التي قد خلت ، أي نال مؤمنهم من أذى كافرهم مثل الذي نالكم من أعدائكم .
ثم كانت العاقبة للمؤمنين ، فلكم بهم أسوة .
فإنّ تأسيكم بهم مما يخفف ألمكم ، ويثبت عند اللقاء أقدامكم .
وقرأ الإخوان وأبو بكر والأعمش من طريقة قُرح بضم القاف فيهما ، وباقي السبعة بالفتح ، والسبعة على تسكين الراء .
قال أبو علي : والفتح أولى انتهى .
وقرأ أبو السمال وابن السميفع قَرَحَ بفتح القاف والراء ، وهي لغة : كالطرد والطرد ، والشل والشلل .
وقرأ الأعمش : إنْ تمسسكم بالتاء من فوق قروح بالجمع ، وجواب الشرط محذوف تقديره : فتأسوا فقد مس القوم قرح ، لأن الماضي معنى يمتنع أن يكون جواباً للشرط .
ومن زعم أن جواب الشرط هو فقد مس ، فهو ذاهل .
{ وتلك الأيام نداولها بين الناس } أخبر تعالى على سبيل التسلية أن الأيام على قديم الدهر لا تبقي الناس على حالة واحدة .
والمراد بالأيام أوقات الغلبة والظفر ، يصرفها الله على ما أراد تارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء ، كما جاء الحرب سجال .
فيوم علينا ويوم لنا *** ويوم نساء ويوم نسر
وسمع بعض العرب الأقحاح قارئاً يقرأ هذه الآية فقال : إنما هو نداولها بين العرب ، فقيل له : إنما هو بين الناس ، فقال : أنا الله ، ذهب ملك العرب ورب الكعبة .
وهو جار على الغيبة قبله وبعده .
وقراءة النون فيها التفات ، وإخبار بنون العظمة المناسبة لمداولة الأيام ، والأيام : صفة لتلك ، أو بدل ، أو عطف بيان .
والخبر نداولها ، أو خبر لتلك ، ونداولها جملة حالية .
{ وليعلم الله الذين آمنوا } هذه لام كي قبلها حرف العطف ، فتتعلق بمحذوف متأخر أي : فعلنا ذلك وهو المداولة ، أو نيل الكفار منكم .
أو هو معطوف على سبب محذوف هو وعامله أي : فعلنا ذلك ليكون كيت وكيت وليعلم .
هكذا قدّره الزمخشري وغيره ، ولم يعين فاعل العلة المحذوفة إنما كنى عنه بكيت وكيت ، ولا يكنى عن الشيء حتى يعرف .
ففي هذا الوجه حذف العلة ، وحذف عاملها ، وإبهام فاعلها .
فالوجه الأول أظهر إذ ليس فيه غير حذف العامل .
ويعلم هنا ظاهره التعدي إلى واحد ، فيكون كعرف .
وقيل : يتعدّى إلى اثنين ، الثاني محذوف تقديره : مميزين بالإيمان من غيرهم .
أي الحكمة في هذه المداولة : أنْ يصير الذين آمنوا متميزين عن من يدعي الإيمان بسبب صبرهم وثباتهم على الإسلام .
وعلم الله تعالى لا يتجدد ، بل لم يزل عالماً بالأشياء قبل كونها ، وهو من باب التمثيل بمعنى فعلنا ذلك فعْلَ مَنْ يريد أن يعلم من الثابت على الإيمان منكم من غير الثابت .
وقيل : معناه ليظهر في الوجود إيمان الذين قد علم أزلاً أنهم يؤمنون ، ويساوق علمه إيمانهم ووجودهم ، وإلا فقد علمهم في الأزل .
إذْ علمه لا يطرأ عليه التغير .
ومثلُه أن يضرب حاكم رجلاً ثم يبين سبب الضرب ويقول : فعلت هذا التبيين لا ضرب مستحقاً معناه : ليظهر أن فعلي وافق استحقاقه .
وقيل : معناه وليعلمهم علماً يتعلق به الجزاء ، وهو أن يعلمهم موجوداً منهم الثبات .
وقيل : العلم باق على مدلوله ، وهو على حذف مضاف التقدير : وليعلم أولياء الله ، فأسند ذلك إلى نفسه تفخيماً .
{ ويتخذ منهم شهداء } أي بالقتل في سبيله ، فيكرمهم بالشهادة .
وقد ورد في فضل الشهيد غير ما آية وحديث .
أو شهداء على الناس يوم القيامة أي وليتخذ منكم من يصلح للشهادة على الأمم يوم القيامة بما يبتلي به صبركم على الشدائد من قوله تعالى :
{ لتكونوا شهداء على الناس } والقول الأول أظهر وأليق بقصة أحد .
{ والله لا يحب الظالمين } أي لا يحب من لا يكون ثابتاً على الإيمان صابراً على الجهاد .
وفيه إشارة إلى أن من انخذل يوم أحد كعبد الله بن أبي وأتباعه من المنافقين ، فإنهم بانخذالهم ، لم يطهر إيمانهم بل نجم نفاقهم ، ولم يصلحوا لاتخاذهم شهداء بأن يقتلوا في سبيل الله .
وذلك إشارة أيضاً إلى أن ما فعل من ادالة الكفار ، ليس سببه المحبة منه تعالى ، بل ما ذكر من الفوائد من ظهور إيمان المؤمن وثبوته ، واصطفائه من شاء من المؤمنين للشهادة .
وهذه الجملة اعترضت بين بعض الملل وبعض ، لما فيها من التشديد والتأكيد .
وأن مناط انتفاء المحبة هو الظلم ، وهو دليل على فحاشته وقبحه من سائر الأوصاف القبيحة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.