البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ} (133)

{ وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين } قرأ ابن عامر ونافع : سارعوا بغير واو على الاستئناف ، والباقون بالواو على العطف .

لما أمروا بتقوى النار أمروا بالمبادرة إلى أسباب المغفرة والجنة .

وأمال الدوري في قراءة الكسائي : وسارعوا لكسرة الراء .

وقرأ أبي وعبد الله : وسابقوا والمسارعة : مفاعلة .

إذ الناس كل واحد منهم ليصل قبل غيره فبينهم في ذلك مفاعلة .

ألا ترى إلى قوله : { فاستبقوا الخيرات } والمسارعة إلى سبب المغفرة وهو الإخلاص ، قاله عثمان .

أو أداء الفرائض قاله علي .

أو الإسلام قاله : ابن عباس .

أو التكبيرة الأولى من الصلاة مع الإمام قاله : أنس ومكحول .

أو الطاعة قاله : سعيد بن جبير .

أو التوبة قاله : عكرمة .

أو الهجرة قاله : أبو العالية .

أو الجهاد قاله : الضحاك .

أو الصلوات الخمس قاله : يمان .

أو الأعمال الصالحة قاله : مقاتل .

وينبغي أن تحمل هذه الأقوال على التمثيل لا على التعيين والحصر .

قال الزمخشري : ومعنى المسارعة إلى المغفرة والجنة الإقبال على ما يستحقان به انتهى .

وفي ذكر الاستحقاق دسيسة الاعتزال ، وتقدم ذكر المغفرة على الجنة لأنها السبب الموصل إلى الجنة ، وحذف المضاف من السموات أي : عرض السموات بعد حذف أداة التشبيه أي : كعرضٍ .

وبعد هذا التقدير اختلفوا ، هل هو تشبيه حقيقي ؟ أو ذهب به مذهب السعة العظيمة ؟ لما كانت الجنة من الاتساع والانفساح في الغاية القصوى ، إذ السموات والأرض أوسع ما علمه الناس من مخلوقاته وأبسطه ، وخص العرض لأنه في العادة أدنى من الطول للمبالغة ، فعلى هذا لا يراد عرض ولا طول حقيقة قاله : الزجاج .

وتقول العرب : بلاد عريضة ، أي واسعة .

وقال الشاعر :

كأن بلاد الله وهي عريضة *** على الخائف المطلوب كفة حابل

والقول الأول مروي عن ابن عباس وغيره .

قال ابن عباس وسعيد بن جبير : والجمهور تقرن السموات والأرض بعضها إلى بعض كما تبسط الثياب ، فذلك عرض الجنة ، ولا يعلم طولها إلا الله انتهى ولا ينكر هذا .

فقد ورد في الحديث في وصف الجنة وسعتها ما يشهد لذلك .

وأورد ابن عطية من ذلك أشياء في كتابه .

والجنة على هذا القول أكبر من السموات ، وهي ممتدّة في الطول حيث شاء الله .

وخص العرض بالذكر لدلالته على الطول ، والطول إذا ذكر لا يدل على سعة العرض ، إذ قد يكون العرض يسيراً كعرض الخيط .

وقال قوم : معناه كعرض السموات والأرض طباقاً ، لا بأنْ تقرب كبسط الثياب .

فالجنة في السماء وعرضها كعرضها ، وعرض ما وازاها من الأرضين إلى السابعة ، وهذه دلالة على العظيم .

وأغنى ذكر العرض عن ذكر الطول .

وقال ابن فورك : الجنة في السماء ، ويزاد فيها يوم القيامة ، وتقدم الكلام في الجنة أخلقت ؟ وهو ظاهر القرآن .

ونص الآثار الصحيحة النبوية أم لم تخلق بعدُ ؟ وهو قول : المعتزلة ، ووافقهم من أهل بلادنا القاضي منذر بن سعيد .

وأما قول ابن فورك أنه يزاد فيها فيحتاج إلى صحة نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال الكلبي : الجنان أربع : جنة عدن ، وجنة المأوى ، وجنة الفردوس ، وجنة النعيم .

كل جنة منها كعرض السماء والأرض ، لو وصل بعضها ببعض ما علم طولها إلا الله .

وقال ابن بحر : هو من عرض المتاع على البيع ، لا العرض المقابل للطول .

أي لو عورضت بها لساوها نصيب كل واحد منكم ، وجاء إعدادها للمتقين فخصوا بالذكر تشريفاً لهم ، وإعلاماً بأنهم الأصل في ذلك ، وغيرهم تبع لهم في إعدادها .

وإن أريد بالمتقين متقو الشرك كان عاماً في كل مسلم طائع أو عاص .

/خ141