{ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } هذه الآية وما بعدها عتب شديد لمن وقعت منهم الهفوات يوم أحد .
واستفهم على سبيل الإنكار أنْ يظنَّ أحد أنْ يدخل الجنة وهو مخلّ بما افترض عليه من الجهاد والصبر عليه .
والمراد بنفي العلم انتفاء متعلقه ، لأنه منتف بانتفائه كما قال تعالى : { ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم } المعنى : لم يكن فيهم خير ، لأنّ ما لم يتعلق به علم الله تعالى موجوداً لا يكون موجوداً أبداً .
وأمْ هنا منقطعة في قول الأكثرين تتقدر ببل ، والهمزة على ما قرر في النحو .
قال ابن بحر : هي عديلة همزة تتقدر من معنى ما تتقدم ، وذلك أنَّ قوله :
{ إن يمسسكم قرح وتلك الأيام نداولها } إلى آخر القصة يقتضي أن يتبع ذلك : أتعلمون أن التكليف يوجب ذلك ، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة من غير اختبار وتحمل مشقة وأن تجاهدوا فيعلم الله ذلك منكم واقعاً .
وتقدّم لنا إبطال مثل هذا القول .
وهذا الاستفهام الذي تضمنته معناه الإنكار والإضراب الذي تضمنته أيضاً هو ترك لما قبله من غير إبطال وأخذ فيما بعده .
وقال أبو مسلم الأصبهاني : أم حسبتم نهيٌ وقع بلفظ الاستفهام الذي يأتي للتبكيت .
وتلخيصه : لا تحسبوا أن تدخلوا الجنة ولما يقع منكم الجهاد .
لما قال : { ولا تهنوا ولا تحزنوا } كان في معنى : أتعلمون أن ذلك كما تؤمرون به ، أم تحسبون أن تدخلوا الجنة من غير مجاهدة وصبر .
وإنما استبعد هذا لأن الله تعالى أوجب الجهاد قبل هذه الواقعة ، وأوجب الصبر على تحمل مشاقها ، وبين وجوه مصالحها في الدين والدنيا .
فلما كان كذلك كان من البعد أن يصل الإنسان إلى السعادة والجنة مع إهمال هذه القاعدة انتهى كلامه .
وظاهره : أن أم متصلة ، وحسبتم هنا بمعنى ظننتم الترجيحية ، وسدّ مسد مفعوليها أن وما بعدها على مذهب سيبويه ، وسد مسد مفعول واحد والثاني محذوف على مذهب أبي الحسن .
ولما يعلم : جملة حالية ، وهي نفي مؤكد لمعادلته للمثبت المؤكد بقد .
فإذا قلت : قد قام زيد ففيه من التثبيت والتأكيد ما ليس في قولك : قام زيد .
فإذا نفيته قلت : لما يقم زيد .
وإذا قلت : قام زيد كان نفيه لم يقم زيد ، قاله سيبويه وغيره .
وقال الزمخشري : ولما بمعنى لم ، إلا أن فيه ضرباً من التوقع فدلَّ على نفي الجهاد فيما مضى ، وعلى توقعه فيما يستقبل .
وتقول : وعدني أن يفعل كذا ، ولما تريد ، ولم يفعل ، وأنا أتوقع فعله انتهى كلامه .
وهذا الذي قاله في لما أنَّها تدل على توقع الفعل المنهى بها فيما يستقبل ، لا أعلم أحداً من النحويين ذكره .
بل ذكروا أنك إذا قلت : لما يخرج زيد دلَّ ذلك على انتفاء الخروج فيما مضى متصلاً نفيه إلى وقت الإخبار .
أمّا أنها تدل على توقعه في المستقبل فلا ، لكنني وجدت في كلام الفراء شيئاً يقارب ما قاله الزمخشري .
قال : لما لتعريض الوجود بخلاف لم .
وقرأ الجمهور بكسر الميم لالتقاء الساكنين .
وقرأ ابن وثاب والنخعي بفتحها ، وخرج على أنه اتباع لفتحة اللام وعلى إرادة النون الخفيفة وحذفها كما قال الشاعر :
لا تهين الفقير علك أن *** تركع يوماً والدهر قد رفعه
وقرأ الجمهور : « ويعلم » برفع الميم فقيل : هو مجزوم ، وأتبع الميم اللام في الفتح كقراءة من قرأ : ولما يعلم بفتح الميم على أحد التخريجين .
فعلى مذهب البصريين بإضمار أن بعد واو مع نحو ، لا تأكل السمك وتشرب اللبن .
وعلى مذهب الكوفيين بواو الصرف ، وتقرير المذهبين في علم النحو .
وقرأ الحسن وابن يعمر وأبو حيوة وعمرو بن عبيد بكسر الميم عطفاً على ولما يعلم .
وقرأ عبد الوارث عن أبي عمرو ويعلم برفع الميم .
قال الزمخشري : على أن الواو للحال كأنه قيل : ولما تجاهدوا وأنتم صابرون انتهى .
ولا يصلح ما قال ، لأن واو الحال لا تدخل على المضارع ، لايجوز : جاء زيد ويضحك ، وأنت تريد جاء زيد يضحك ، لأن المضارع واقع موقع اسم الفاعل .
فكما لا يجوز جاء زيد وضاحكاً ، كذلك لا يجوز جاء زيد ويضحك .
فإنْ أوّلَ على أن المضارع خبرُ مبتدأ محذوف أمكن ذلك ، التقدير : وهو يعلم الصابرين كما أولوا قوله : نجوت وأرهنهم مالكاً ، أي وأنا أرهنهم .
وخرج غير الزمخشري قراءة الرفع على استئناف الاخبار ، أي : وهو يعلم الصابرين .
وفي إنكار الله تعالى على من ظنّ أنّ دخول الجنة يكون مع انتفاء الجهاد ، والصبر عند لقاء العدوّ دليل على فرضية الجهاد إذ ذاك ، والثبات للعدوّ وقد ذكر في الحديث : « أن التولي عند الزحف من السبع الموبقات »
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.