البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا} (59)

الجلباب : ثوب أكبر من الخمار .

كان دأب الجاهلية أن تخرج الحرة والأمة مكشوفتي الوجه في درع وخمار ، وكان الزناة يتعرضون إذا خرجن بالليل لقضاء حوائجهن في النخيل والغيطان للإماء ، وربما تعرضوا للحرة بعلة الأمة ، يقولون : حسبناها أمة ، فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء ، بلبس الأردية والملاحف ، وستر الرؤوس والوجوه ، ليحتشمن ويهبن ، فلا يطمع فيهن .

وروي أنه كان في المدينة قوم يجلسون على الصعدات لرؤية النساء ومعارضتهن ومراودتهن ، فنزلت .

قيل : والجلابيب : الأردية التي تستر من فوق إلى أسفل ، وقال ابن جبير : المقانع ؛ وقيل : الملاحف ، وقيل : الجلباب : كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها ، وقيل : كل ما تستتر به من كساء أو غيره .

قال أبو زيد :

تجلببت من سواد الليل جلباباً . . .

وقيل : الجلباب أكبر من الخمار .

وقال عكرمة : تلقي جانب الجلباب على غيرها ولا يرى .

وقال أبو عبيدة السلماني ، حين سئل عن ذلك فقال : أن تضع رداءها فوق الحاجب ، ثم تديره حتى تضعه على أنفها .

وقال السدي : تغطي إحدى عينيها وجبهتها والشق الآخر إلا العين . انتهى .

وكذا عادة بلاد الأندلس ، لا يظهر من المرأة إلا عينها الواحدة .

وقال الكسائي : يتقنعن بملاحفهن منضمة عليهن ، أراد بالإنضمام معنى : الإدناء .

وقال ابن عباس ، وقتادة : وذلك أن تلويه فوق الجبين وتشده ، ثم تعطفه على الأنف ، وإن ظهرت عيناها ، لكنه يستر الصدر ومعظم الوجه .

والظاهر أن قوله : { ونساء المؤمنين } يشمل الحرائر والإماء ، والفتنة بالإماء أكثر ، لكثرة تصرفهن بخلاف الحرائر ، فيحتاج إخراجهن من عموم النساء إلى دليل واضح .

ومن في : { من جلابيبهن } للتبعيض ، و { عليهن } : شامل لجميع أجسادهن ، أو { عليهن } : على وجوههن ، لأن الذي كان يبدو منهن في الجاهلية هو الوجه .

{ ذلك أدنى أن يعرفن } : لتسترهن بالعفة ، فلا يتعرض لهن ، ولا يلقين بما يكرهن ؛ لأن المرأة إذا كانت في غاية التستر والانضمام ، لم يقدم عليها ، بخلاف المتبرجة ، فإنها مطموع فيها .

{ وكان الله غفوراً رحيماً } : تأنيس للنساء في ترك الاستتار قبل أن يؤمر بذلك .