البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَّا جُنَاحَ عَلَيۡهِنَّ فِيٓ ءَابَآئِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآئِهِنَّ وَلَآ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ إِخۡوَٰنِهِنَّ وَلَآ أَبۡنَآءِ أَخَوَٰتِهِنَّ وَلَا نِسَآئِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُنَّۗ وَٱتَّقِينَ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدًا} (55)

وروي أنه لما نزلت آية الحجاب قال : الآباء والأبناء والأقارب ، أو نحن يا رسول الله أيضاً ، نكلمهن من وراء حجاب ، فنزلت : { لا جناح عليهن } : أي لا إثم عليهن .

قال قتادة : في ترك الحجاب .

وقال مجاهد : في وضع الجلباب وإبداء الزينة .

وقال الشعبي : لم يذكر العم والخال ، وإن كانا من المحارم ، لئلا يصفا للأبناء ، وليسوا من المحارم .

وقد كره الشعبي وعكرمة أن تضع المرأة خمارها عند عمها أو خالها ، وقيل : لأنهما يجريان مجرى الوالدين ، وقد جاءت تسمية العم أباً .

وذكر هنا بعض المحارم ، والجميع في سورة النور .

ودخل في : { ولا نسائهن } ، الأمهات والأخوات وسائر القربات ، ومن يتصل بهن من المتطرفات لهن .

وقال ابن زيد وغيره : أراد جميع النساء المؤمنات ، وتخصيص الإضافة إنما هي في الإيمان .

وقال مجاهد : من أهل دينهن ، وهو كقول ابن زيد .

والظاهر من قوله : { أو ما ملكت أيمانهن } ، دخول العبيد والإماء دون ما ملك غيرهن .

وقيل : مخصوص بالإماء ، وقيل : جميع العبيد ممن في ملكهن أو ملك غيرهن .

وقال النخعي : يباح لعبدها النظر إلى ما يواريه الدرع من ظاهر بدنها ، وإذا كان للعبد المكاتب ما يؤدي ، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بضرب الحجاب دونه ، وفعلته أم سلمة مع مكاتبها نبهان .

{ واتقين الله } : أمر بالتقوى وخروج من الغيبة إلى الخطاب ، أي واتقين الله فيما أمرتن به من الاحتجاب ، وأنزل الله فيه الوحي من الاستتار ، وكأن في الكلام جملة حذفت تقديره : اقتصرن على هذا ، واتقين الله فيه أن تتعدينه إلى غيره .

ثم توعد بقوله : { إن الله كان على كل شيء شهيداً } ، من السر والعلن ، وظاهر الحجاب وباطنه ، وغير ذلك .

{ شهيداً } : لا تتفاوت الأحوال في علمه .