البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞لَّئِن لَّمۡ يَنتَهِ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ وَٱلۡمُرۡجِفُونَ فِي ٱلۡمَدِينَةِ لَنُغۡرِيَنَّكَ بِهِمۡ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَآ إِلَّا قَلِيلٗا} (60)

ولما ذكر حال المشرك الذي يؤذي الله ورسوله ، والمجاهر الذي يؤذي المؤمنين ، ذكر حال المسر الذي يؤذي الله ورسوله ، ويظهر الحق ويضمر النفاق .

ولما كان المؤذون ثلاثة ، باعتبار إذايتهم لله ولرسوله وللمؤمنين ، كان المشركون ثلاثة : منافق ، ومن في قلبه مرض ، ومرجف .

فالمنافق يؤذي سراً ، والثاني يؤذي المؤمن باتباع نسائه ، والثالث يرجف بالرسول ، يقول : غلب ، سيخرج من المدينة ، سيؤخذ ، هزمت سراياه .

وظاهر العطف التغاير بالشخص ، فيكون المعنى : لئن لم ينته المنافقون عن عداوتهم وكيدهم ، والفسقة عن فجورهم ، والمرجفون عما يقولون من أخبار السوء ويشيعونه .

ويجوز أن يكون التغاير بالوصف ، فيكون واحداً بالشخص ثلاثة بالوصف .

كما جاء : أن المسلمين والمسلمات ، فذكر أوصافاً عشرة ، والموصوف بها واحد ، ونص على هذين الوصفين من المنافقين لشدة ضررهما على المؤمنين .

قال عكرمة : { الذين في قلوبهم مرض } ، هو العزل وحب الزنا ، ومنه فيطمع الذي في قلبه مرض .

وقال السدي : المرض : النفاق ، ومن في قلوبهم مرض .

وقال ابن عباس : هم الذين آذوا عمر .

وقال الكلبي : من آذى المسلمين .

وقال ابن عباس : { المرجفون } : ملتمسو الفتن .

وقال قتادة : الذين يؤذون قلوب المؤمنين بإيهام القتل والهزيمة .

{ لنغرينك بهم } : أي لنسلطنك عليهم ، قاله ابن عباس .

وقال قتادة : لنحرسنك بهم .

{ ثم لا يجاورونك فيها } : أي في المدينة ، و { ثم لا يجاورونك } معطوف على { لنغرينك } ، ولم يكن العطف بالفاء ، لأنه لم يقصد أنه متسبب عن الإغراء ، بل كونه جواباً للقسم أبلغ .

وكان العطف بثم ، لأن الجلاء عن الوطن كان أعظم عليهم من جميع ما أصيبوا ، به فتراخت حالة الجلاء عن حالة الإغراء .

{ إلا قليلاً } : أي جواراً قليلاً ، أو زماناً قليلاً ، أو عدداً قليلاً ، وهذا الأخير استثناء من المنطوق ، وهو ضمير الرفع في { يجاورونك } ، أو ينتصب قليلاً على الحال ، أي إلا قليلين ، والأول استثناء من المصدر الدال عليه { يجاورونك } ، والثاني من الزمان الدال عليه { يجاورونك } ، والمعنى : أنهم يضطرون إلى طلب الجلاء عن المدينة خوف القتل .