البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ} (10)

الدخان : معروف ، وقال أبو عبيدة : والدخان : الجدب . قال القتبي : سمي دخاناً ليبس الأرض منه ، حتى يرتفع منها كالدخان ، وقياس جمعه في القلة : أدخنة ، وفي الكثرة : دخنان ، نحو : غراب وأغربة وغربان . وشذوا في جمعه على فواعل فقالوا : دواخن ، كأنه جمع داخنة تقديراً ، كما شذوا في عثان قالوا : عواثن .

{ فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } .

قال علي بن طالب ، وابن عمر ، وابن عباس ، وسعيد الخدري ، وزيد بن علي ، والحسن : هو دخان يجيء يوم القيامة ، يصيب المؤمن منه مثل الزكام ، وينضج رؤوس الكافرين والمنافقين ، حتى تكون مصقلة حنيذة .

وقال ابن مسعود ، وأبو العالية ، والنخعي : هو الدخان الذي رأته قريش .

قيل لعبد الله : إن قاصاً عند أبواب كندة يقول إنه دخان يأتي يوم القيامة ، فيأخذ أنفاس الناس ، فقال : من علم علماً فليقل به ، ومن لم يعلم فليقل : الله أعلم .

ألا وسأحدثكم أن قريشاً لما استعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دعا عليهم فقال : « اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف » ، فأصابهم الجهد حتى أكلوا الجيف ، والعلهز .

والعلهز : الصوف يقع فيه القراد فيشوى الصوف بدم القراد ويؤكل .

وفيه أيضاً : حتى أكلوا العظام .

وكان الرجل يرى بين السماء والأرض الدخان ، وكان يحدث الرجل فيسمع الكلام ولا يرى المحدث من الدخان .

فمشى إليه أبو سفيان ونفر معه ، وناشده الله والرحم ، وواعدوه ، إن دعا لهم وكشف عنهم ، أن يؤمنوا .

فلما كشف عنهم ، رجعوا إلى شركهم .

وفيه : فرحمهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعث إليهم بصدقة ومال .

وفيه : فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم ، فأنزل الله عز وجل : { يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون } قال : يعني يوم بدر .

وقال عبد الرحمن : خمس قد مضين : الدخان ، واللزام ، والبطشة ، والقمر ، والروم .

وقال عبد الرحمن الأعرج : { يوم تأتي السماء } ، هو يوم فتح مكة ، لما حجبت السماء الغبرة .

وفي حديث حذيفة : أول الآيات خروج الدجال ، والدخان ، ونزول عيسى بن مريم ، ونار تخرج من قعر عدن ؛ وفيه قلت : يا نبي الله ، وما الدخان على هذه الآية : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } ؟ وذكر بقية الحديث ، واختصرناه بدخان مبين ، أي ظاهر لا شك أنه دخان .