البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥٓ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ} (83)

غبر بقي .

قال أبو ذؤيب :

فغبرت بعدهم بعيش ناضب ***

وإخال أني لاحق مستبقع

هذا المشهور في اللغة ومنه غبر الحيض .

قال أبو بكر الهذلي :

ومبرّأ من كل غبر حيضة *** وفساد مرضعة وداء معضل

وغبر اللبن في الضّرع بقيته وحكى أهل اللغة غبر بمعنى مضى ، قال الأعشى :

غض بما ألقى المواسي له *** من أمّه في الزمن الغابر

وبمعنى غاب ومنه عبر عنا زماناً أي غاب قاله الزجاج ، وقال أبو عبيدة غبر عمر دهراً طويلاً حتى هرم ،

{ فأنجيناه وأهله إلا امرأته من الغابرين } أي { فأنجيناه وأهله } من العذاب الذي حل بقومه { وأهله } هم المؤمنون معه أو ابنتاه على الخلاف الذي سبق واستثنى من أهله امرأته فلم تنجُ واسمها واهلة كانت منافقة تسرّ الكفر موالية لأهل سدوم ومعنى { من الغابرين } من الذين بقوا في ديارهم فهلكوا وعلى هذا يكون قوله { كانت من الغابرين } تفسيراً وتوكيداً لما تضمنه الاستثناء من كونها لم ينجها الله تعالى .

وقال أبو عبيدة : { إلا امرأته } اكتفى به في أنها لم تنجُ ثم ابتدأ وصفها بعد ذلك بصفة لا تتعلق بها النجاة ولا الهلكة وهي أنها كانت ممن أسن وبقي من عصره إلى عصر غيره فكانت غابرة أي متقدّمة في السن كما قال : إلا عجوزاً في الغابرين إلى أن هلكت مع قومها انتهى ، وجاء { من الغابرين } تغليباً للذكور على الإناث ، وقال الزّجاج : من الغائبين عن النجاة فيكون توكيداً لما تضمنه الاستثناء انتهى ، و { كانت } بمعنى صارت أو كانت في علم الله أو باقية على ظاهرها من تقييد غبورها بالزمان الماضي أقوال .