الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥٓ إِلَّا ٱمۡرَأَتَهُۥ كَانَتۡ مِنَ ٱلۡغَٰبِرِينَ} (83)

قوله تعالى : { إِلاَّ امْرَأَتَهُ } : استثناء من أهله المُنْجَيْن . وقوله : { كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ } جوابُ سؤالٍ مقدر . وهذا كما تقدم في البقرة وفي أول هذه السورة في قصة إبليس .

والغابر : المُقيم . هذا هو مشهورُ اللغة ، وأنشدوا قول أبي ذؤيب الهذلي :

فَغَبَرْتُ بعدهمُ بعيشٍ ناصِبٍ *** وإخالُ أني لاحقٌ مُسْتَتْبَعُ

ومنه غُبَّرُ اللبن لبقيَّته في الضَّرْع ، وغُبَّرُ الحَيْض أيضاً ، قال أبو كبير الهذلي ، ويُروى لتأبَّط شراً :

ومُبَرَّأً من كل غُبَّرِ حَيْضَةٍ *** وفَسادِ مُرْضِعَةً وداءٍ مُعْضِلِ

ومعنى " من الغابرين " في الآية أي : مِن المقيمين في الهلاك . وقال بعضهم : " غَبَر بمعنى مَضَى وذهب " ومعنى الآية يساعده ، وأنشد للأعشى :

عَضَّ بما أَبْقى المَواسِيْ له *** مِنْ أُمِّه في الزمن الغابر

أي : الزمن الماضي . وقال بعضهم : غَبَر أي غاب ، ومنه قولهم : " غبر عنا زماناً " وقال أبو عبيدة : " غَبَرَ : عُمِّر دهراً طويلاً حتى هَرِم ، ويدل له : { إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ } [ الصافات : 135 ] . والحاصلُ أن الغُبور مشتركٌ كعسعس أو حقيقةٌ ومجازٌ وهو المرجح . والغبار : لما يَبْقى من التراب المُثار . ومنه { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ } [ عبس : 40 ] تخييلاً لتغيرها واسودادها . والغَبْراء الأرض . قال طرفة :

رأيتُ بني غَبْراءَ لا يُنْكِرونني *** ولا أهلَ هذاكَ الطرافِ المُمَدَّدِ