أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَـٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۖ رَّبَّنَا عَلَيۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَيۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ} (4)

شرح الكلمات :

{ قد كان لكم } : أي أيها المؤمنون .

{ أسوة حسنة } : أي قدوة صالحة .

{ في إبراهيم والذين معه } : من المؤمنين فأتسوا بهم .

{ إذ قالوا لقومهم } : أي المشركين .

{ إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله } : أي نحن متبرئون منكم ، ومن أوثانكم التي تعبدونها .

{ كفرنا بكم } : أي جحدنا بكم فلم نعترف لكم بقرابة ولا ولاء .

{ وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء } : أي ظهر ذلك واضحاً جلياً لا لبس فيه ولا خفاء .

{ حتى تؤمنوا بالله وحده } : أي ستستمر عداوتنا لكم وبغضنا إلى غاية إيمانكم بالله وحده .

{ وإليك أنبنا } : أي رجعنا في أمورنا كلها .

المعنى :

لما حرم تعالى على المؤمنين مولاة الكافرين مع وجود حاجة قد تدعو إلى مولاتهم كما جاء ذلك في اعتذار حاطب بن أبي بلتعة أراد تعالى أن يشجعهم على معاداة الكافرين وعدم موالاتهم بحال من الأحوال لما في ذلك من الضرر والخطر على العقيدة والصلة بالله وهي أعز ما يملك المؤمنون أعلمهم بأنه يُوجد لهم أسوة أي قدوة حسنة في إبراهيم خليله والمؤمنين معه فإنهم على قلتهم وكثرة عدوهم وعلى ضعفه وقوة خصومهم تبرأوا من أعداء الله وتنكروا لأية صلة تربطهم بهم فقالوا ما قص الله تعالى عنهم في قوله { إنَّا بُرءاءُ منكم ومما تعبدون من دون الله } " من أصنام وأوثان " كفرنا بكم فلم نعترف لكم بوجود يقتضي مودتنا ونصرتنا لكم ، وبدا أي ظهر بيننا وبينكم العداوة والبغضاء بصورة مكشوفة لا ستار عليها لأننا موحدون وأنتم مشركون ، لأننا مؤمنون وأنتم كافرون ، وسوف تستمر هذه المعاداة وهذه البغضاء بيننا وبينكم حتى تؤمنوا بالله وحده رباً وإلهاً لا رَبًّ غيره ولا إله سواه إذاً فأتسوا أيها المسلمون بإمام الموحدين إبراهيم اللهم إلا ما كان من استغفار إبراهيم لأبيه فلا تأتسوا به ولا تستغفروا لموتاكم المشركين فإن إبراهيم قد ترك ذلك لما علم أن أباه لا يؤمن وأنه يموت كافراً وأنه في النار فقال تعالى إلا قول إبراهيم لأبيه " آزر " لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء أي غير الاستغفار .

وكان هذا عن وعد قطعه له ساعة المفارقة له إذ قال في سورة مريم : { قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيّاً }

وجاء في سورة التوبة قوله تعالى : { وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياهُ فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه } وقوله تعالى : { ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا } أي رجعنا من الكفر إلى الإِيمان بك وتوحيدك في عبادتك ، وإليك المصير . أي مصير كل شيء يعود إليك وننتهي عندك فتقضى وتحكم بما تشاء .

الهداية :

من الهداية :

- وجوب الاقتداء بالصالحين في الائتساء بهم في الصالحات .

- حرمة موالاة الكافرين ووجوب معاداتهم ولو كانوا أقرب قريب .

- كل عداة وبغضاء تنتهي برجوع العبد إلى الإِيمان والتوحيد بعد الكفر والشرك .

- لا يجوز الاقتداء في غير الحق والمعروف فإذا أخطأ العبد الصالح فلا يتابع على الخطأ .

- وجوب تقوية المؤمنين بكل أسباب القوة لأمرين الأول خشية أن يغلبهم الكافرون فيفتنوهم في دينهم ويردوهم إلى الكفر والثاني حتى لا يظن الكافرون الغالبون أنهم على حق بسبب ظهورهم على المسلمين فيزدادوا كفراً فيكون المسلمون سبباً في ذلك فيأثمون للسببية في ذلك .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَـٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ ٱلۡعَدَٰوَةُ وَٱلۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٖۖ رَّبَّنَا عَلَيۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَيۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ} (4)

قوله تعالى : { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير 4 ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم 5 لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد } .

يحذر الله المؤمنين من موادعة الكافرين وموادتهم أو الإسرار إليهم بأخبار إخوانهم خشية على أقاربهم وأموالهم ومصالحهم . فليس على المؤمنين المتّقين الذين أخلصوا دينهم لله إلا أن يجافوا أعداء الله فلا يوادوهم ولا يصانعوهم . وإنما عليهم أن يقتدوا بخليل الله إبراهيم ( عليه السلام ) والذين آمنوا معه ، إذ تبرأوا من قومهم الكافرين . وإنما يتبرأ المؤمن الصادق من الكفر والكافرين فيتخلص بقلبه وإحساسه ومشاعره وهواه من أحوالهم وأوضاعهم وأهوائهم وتصوراتهم . فلا يوالي حينئذ غير الؤمنين وهم إخوانه في الدين والعقيدة .

وهو قوله سبحانه : { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه } يعني لقد كان لكم أيها المؤمنون قدوة حسنة في خليل الله إبراهيم فتقتدون به وبالذين آمنوا معه { إذ قالوا لقومهم إنا برءاؤا منكم ومما تعبدون من دون الله } قالوا لقومهم الكافرين عبدة الأوثان والطواغيت : لقد تبرأنا منكم ومن عبادتكم الباطلة . ومما تعبدون من الأرباب المصطنعة { كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا } أي أنكرنا ما أنتم عليه من الشرك والباطل وجحدنا كفركم وضلالكم ، وظهر بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا بسبب كفركم وجحودكم ومجانبتكم سبيل ربكم وتلبسكم بالضلال والباطل ، فنحن أبرياء منكم ومما تعبدون { حتى تؤمنوا بالله وحده } لا موادة بيننا وبينكم حتى تفيئوا إلى عقيدة الحق ، عقيدة التوحيد الخالص لله ، وعبادته وحده دون غيره من الشركاء والأنداد .

قوله : { إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك } قول ، منصوب ، لأنه مستثنى من قوله : { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم } {[4515]} يعني كانت لكم في إبراهيم ، والذين معه من المؤمنين قدوة حسنة في مجانية قومهم الكافرين ومعاداتهم وعدم موالاتهم باسثناء قول إبراهيم لأبيه { لأستغفرن لك } فإنه لا أسوة لكم في مثل هذا الاستغفار فتستغفروا للمشركين ، لأن استغفار إبراهيم إنما كان عن موعدة وعدها إياه ثم ما لبث أن تبرأ منه لما استبان له أن أباه عدو لله بكفره . وعلى هذا ليس للمسلمين أن يتأسوا بإبراهيم في الاستغفار لأبيه المشرك .

قوله : { وما أملك لك من الله من شيء } يعني وما أغني عنك من الله شيئا أو ما أدفع عنك شيئا من عذاب الله إن أراد الله أن يعذبك .

قوله : { ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير } وهذا من دعاء إبراهيم وتضرعه وإنابته إلى ربه ، إذ قال : { ربنا عليك توكلنا } أي اعتمدنا عليك وفوضنا كل أمورنا إليه { وإليك أنبنا } من الإنابة أي الرجوع . يعني رجعنا إلى جنابك طائعين تائبين منقادين { وإليك المصير } إليك المآب والمرجع يوم القيامة .


[4515]:البيان جـ 2 ص 433.