أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا مَّثَانِيَ تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهۡدِي بِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٍ} (23)

شرح الكلمات :

{ أحسن الحديث كتاباً } : هو القرآن الكريم .

{ متشابهاً } : أي يشبه بعضه بعضا في النظم والحسن وصحة المعاني .

{ مثاني } : أي ثنّى فيه الوعد والوعيد كالقصص والأحكام .

{ تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم } : أي ترتعد من جلود الذين يخشون ربهم وذلك عند ذكر وعيده .

{ ثم تلين جلودهم وقلوبهم } : أي تطمئن وتلين .

{ إلى ذكر الله } : أي عند ذكر وعده لأهل الإِيمان والتقوى بالجنة وما فيها من نعيم مقيم .

المعنى :

قوله تعالى { الله نزّل أحسن الحديث } هذه الآية نزلت لما قال أصحاب الرسول يوماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا يا رسول الله فأنزل الله تعالى قوله { الله نزّل أحسن الحديث } وهو القرآن { كتاباً متشابهاً } أي يشبه بعضه بعضاً في حسن اللفظ وصحة المعاني { مثاني } أي يثني فيه الوعد والوعيد والأمر والنهي والقصص ، { تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم } أي عند سماع آيات الوعيد فيه { ثم تلين جلودهم } إذا سمعوا آيات الوعد { وتطمئن قلوبهم } إذا سمعوا حججه وأدلته وقوله { إلى ذكر الله } أي القرآن وذكر الله بوعده ووعيده وأسمائه وصفاته ويشهد له قوله تعالى من سورة الرعد { ا بذكر الله تطمئن القلوب } وقوله تعالى { ذلك هدى الله يهدي به من يشاء } أي ذلك المذكور وهو القرآن الكريم هدى الله إذ هو الذي أنزله وجعله هادياً يهدي به من يشاء هدايته بمعنى يوفقه للإِيمان والعمل به وترك الشرك والمعاصي . وقوله { ومن يضلل الله فما له من هادٍ } لما سبق في علم الله ولوجود مانع من هدايته كالإِصرار والعناد والتقليد . فهذا ليس له من هاد يهديه بعد الله أبداً .

الهداية :

من الهداية :

- بيان أن القرآن أحسن ما يحدث به المؤمن إذ أخباره كلها صدق وأحكامه كلها عدل .

- فضيلة أهل الخشية من الله إذ هم الذين ينفعلون لسماع القرآن فترتعد فرائصهم عند سماع وعيده ، وتلين قلوبهم وجلودهم عند سماع وعده .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا مَّثَانِيَ تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهۡدِي بِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٍ} (23)

{ الله نزل أحسن الحديث } أي القرآن { كتابا متشابها } يشبه بعضه بعضا من غير اختلاف ولا تناقض { مثاني } يثني فيه الأخبار والقصص وذكر الثواب والعقاب { تقشعر } تضطرب وتتحرك بالخوف { منه جلود الذين يخشون ربهم } يعني عند ذكر آية العذاب { ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } أي من آية الرحمة { ذلك هدى الله } أي ذلك الخشية من العذاب ورجاء الرحمة هدى الله

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا مَّثَانِيَ تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهۡدِي بِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٍ} (23)

ولما كان من المستبعد جداً أن يقسو قلب من ذكر الله ، بينه الله وصوره في أعظم الذكر فإنه كان للذين آمنوا هدى وشفاء ، وللذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وفي أبصارهم عمى ، فقال مفخماً للمنزل بجعل الاسم الأعظم مبتدأ وبناء الكلام عليه : { الله } أي الفعال لما يريد الذي له مجامع العظمة والإحاطة بصفات الكمال { نزّل } أي بالتدريج للتدريب وللجواب عن كل شبهة { أحسن الحديث } وأعظم الذكر ، ولولا أنه هو الذي نزله لما كان الأحسن ، ولقدر - ولو يوماً واحداً - على الإتيان بشيء من مثله ، وأبدل من " أحسن " قوله : { كتاباً } أي جامعاً لكل خير { متشابهاً } أي في البلاغة المعجزة والموعظة الحسنة ، لا تفاوت فيه أصلاً في لفظ ولا معنى ، مع كونه نزل مفرقاً في نيف وعشرين سنة ، وأما كلام الناس فلا بد فيه من التفاوت وإن طال الزمان في التهذيب سواء اتحد زمانه أو لا ، والاختلاف في المختلف في الزمان أكثر ، ولم يقل : مشتبهاً ، لئلا يظن أنه كله غير واضح الدلالة وذلك لا يمدح به .

ولما كان مفصلاً إلى سور وآيات وجمل ، وصفه بالجمع في قوله : { مثاني } جمع مثنى مفعل من التثنية بمعنى التكرير أي تثنى فيه القصص والمواعظ والأحكام والحكم ، مختلفة البيان في وجوه من الحكم ، متفاوتة الطرق في وضوح الدلالات ، من غير اختلاف أصلاً في أصل المعنى ، ولا يمل من تكراره ، وترداد قراءته وتأمله واعتباره ، مع أن جميع ما فيه أزواج من الشيء وضده : المؤمن والكافر ، والمطيع والعاصي ، والرحمة العامة والرحمة الخاصة ، والجنة والنار ، والنعيم والشقاء والضلال والهدى ، والسراء والضراء ، والبشارة والنذارة ، فلا ترتب على شيء من ذلك جزاء صريحاً إلا ثني بإفهام ما لضده تلويحاً ، فكان مذكوراً مرتين ، ومرغباً فيه أو مرهباً منه كرتين ، ويجوز أن يكون التقدير : متشابهة مثانيه ، فيكون نصبه على التمييز ، وفائدة التكرير أن النفوس أنفر شيء عن حديث الوعظ والنصيحة ، فما لم يكرر عليها عوداً على بدء لم يرسخ عندها ولم يعمل عمله ، ومن ثم كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرر قوله ثلاث مرات فأكثر .

ولما كان التكرار يمل ، ذكر أن من خصائص هذا الكتاب أنه يطرب مع التكرار ، ويزداد حلاوة ولو ثنى آناء الليل وأطراف النهار ، فقال : { تقشعر } أي تهتز وتتجمع وتتقبض تقبضاً شديداً ، من القشع وهو الأديم اليابس ، وزيد حرفاً لزيادة المعنى ، واختير حرف التكرير إشارة إلى المبالغة فيه ، وكونه حرف التطوير أشد للمناسبة { منه جلود } أي ظواهر أجسام { الذين يخشون } أي يخافون خوفاً شديداً ويلتذون لذة توجب إجلالاً وهيبة ، فيكون ذلك سبب ذلك ، وزاد في مدحهم بأنهم يخافون المحسن ، فهم عند ذكر أوصاف الجلال أشد خوفاً ، فلذلك لفت القول إلى وصف الإحسان فقال : { ربهم } أي المربي لهم والمحسن إليهم لاهتزاز قلوبهم ، روى الطبراني عن العباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت خطاياه " ، وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه مر برجل من أهل العراق ساقط ، قال : فما بال هذا ؟ قال : إنه إذا قرئ عليه القرآن وسمع ذكر الله سقط ، قال ابن عمر رضي الله عنهما : إنا لنخشى الله وما نسقط وإن الشيطان ليدخل في جوف أحدهم ، ما كان هذا صنيع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، { ثم تلين } أي تمتد وتنعم ، وقدم ما صرح فيه بالاقشعرار الذي يلزمه اليبس ، وأخر القلوب إبعاداً لها عما قد يفهم يبساً فيوهم قسوة فقال : { جلودهم } لتراجعهم بعد برهة إلى الرجاء وإن اشتدت صلابتها { وقلوبهم } وذكره لتجدد لين القلوب مع الجلود دال على تقدير اقشعرارها معها من شدة الخشية ، فإن الخشية لا تكون إلا في القلب ، وكان سر حذف التصريح بذلك تنزيهها عن ذكر ما قد يفهم القسوة .

ولما كان القلب شديد الاضطراب والتقلب ، دل على حفظه له بنافذ أمره وباهر عظمته بالتعدية ب " إلى " ليكون المعنى : ساكنة مطمئنة { إلى ذكر الله } أي ذي الجلال والإكرام ، فإن الأصل في ذكره الرجاء لأن رحمته سبقت غضبه ، وأظهر موضع الإضمار لأحسن الحديث لئلا يوهم أن الضمير للرب ، فيكون شبهة لأهل الاتحاد أو غيرهم من أرباب البدع ، ولم يقل : إلى الحديث أو الكتاب - مثلاً ، بل عدل إلى ما عرف أنه ذكره سبحانه ليكون أفخم لشأنه ، وزاده فخامة بصرف القول عن الوصف المقتضي للإحسان إلى الاسم الجامع للجلال والإكرام .

ولما كان ما ذكر من الآثار عجباً ، دل على عظمته بقوله على طريق الاستنتاج : { ذلك } أي الأمر العظيم الغريب من الحديث المنزل والقبض والبسط { هدى الله } أي الذي لا يمتنع عليه شيء { يهدي به من يشاء } ومن هداه الله فما له من مضل ، ويضل به من يشاء فلا تتأثر جلودهم لقساوة قلوبهم ، فيكون هدى لناس ضلالاً لآخرين { ومن يضلل الله } أي الملك الأعظم المحيط بكل شيء إضلالاً راسخاً في قلبه بما أشعر به الفك ليخرج الضلال العارض { فما له من هاد * } لأنه لا راد لأمره ولا معقب لحكمه ، لأنه الواحد في ملكه ، فلا شريك له ، فالآية من الاحتباك : ذكر أولاً إطلاق أمره في الهداية دليلاً على حذف مثله في الضلال ، وثانياً انسداد باب الهداية على من أضله دليلاً على وحذف مثله فيمن هداه وهي دامغة للقدرية .