غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا مَّثَانِيَ تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهۡدِي بِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٍ} (23)

1

أكد وصف القرآن وكيفية تأثيره في النفوس بقوله { الله نزل أحسن الحديث } عن ابن عباس وابن مسعود أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوا ملة فقالوا له : حدثنا ، فنزلت الآية . والحديث كلام يتضمن الخبر عن حال متقدمة ووصفه بالحدوث من حيث النزول لا ينافي قدمه من حيث إنه كلام نفسي . ووجه كونه أحسن لفظاً ومعنى مما لا يخفى على ذي طبع فضلاً عن ذي لب . وقوله { كتاباً } بدل من أحسن أو حال موطئة . ومعنى { متشابهاً } أنه يشبه بعضه بعضاً في الإعجاز اللفظي والمعنوي والنظم الأنيق والأسلوب العجيب والاشتمال على الغيوب وعلى أصول العلوم كما مر في أوّل " البقرة " في تفسير قوله { وإن كنتم في ريب } [ البقرة : 23 ] وقيل : هو من قوله { وأخر متشابهات } [ آل عمران : 7 ] فيكون صفة لبعض القرآن . وقيل : يشبه اللفظ اللفظ والمعنى مختلف . وقوله { مثاني } جميع مثنى ومثنى بمعنى مكرر لما ثنى من قصصه وأحكامه ومواعظه ، أو لأنه يثني في التلاوة فلا يورث ملالاً كقوله " ولا يخلق على كثرة الرد " وقيل : المثاني لآي القرآن كالقوافي للشعر . وقد مر بعض هذه الأقوال في مقدمات الكتاب وفي سورة الحجر في قوله { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني } [ الحجر : 87 ] ومعنى اقشعرار الجلد تقبضه . قال جار الله : تركيبه من حروف القشع وهو الأديم اليابس مضموماً إليها الراء ليصير رباعياً دالاً على معنى زائد ، وهو تمثيل لشدة الخوف أو حقيقة سببه الخوف . قال المفسرون : أراد أنهم عند سماع آيات العذاب يخافون فتقشعر جلودهم وعند سماع آيات الرحمة والإحسان أو تذكرهم لرأفته وأن رحمته سبقت غضبه تلين جلودهم وقلوبهم . ومعنى " إلى " في قوله { إلى ذكر الله } هو أنه ضمن لأن معنى سكن واطمأن . وقال العارفون : إذا نظروا إلى عالم الجلال طاشوا وإن راح لهم أثر من عالم الجمال عاشوا . وقال أهل البرهان : إذا اعتبر العقل موجوداً لا أول له ولا آخر لا حين ولا جهة وقع في بادية التحير والهيبة ، وإذا اعتبر الدلائل القاطعة على وجود موجود واجب لذاته واحد في صفاته وأفعاله اطمأن قلبه إليه . قال جار الله : إنما ذكرت الجلود أوّلاً وحدها لأن الخشية تدل على القلوب لأنها محل الخشية فكأنه قيل : تقشعر جلودهم بعد خشية قلوبهم ، ثم إذا ذكروا الله ومبنى أمره على الرأفة والرحمة استبدلوا بالخشية رجاء في قلوبهم وبالقشعريرة ليناً في جلودهم . ويحتمل أن يقال : المكاشفة في مقام الرجاء أكمل منها في مقام الخوف ، ومحل المكاشفات هو القلب ، فلذلك اختص ذكر القلب بجانب الرجاء . ثم أشار إلى الكتاب المذكور بقوله { ذلك هدى الله } كقوله { هدى للمتقين } [ البقرة : 2 ] . ثم بين أن القاسية قلوبهم حالين : أما في الدنيا فالضلال العام وهو قوله { ومن يضلل الله فما له من هاد } .