النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا مَّثَانِيَ تَقۡشَعِرُّ مِنۡهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُمۡ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمۡ وَقُلُوبُهُمۡ إِلَىٰ ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ ذَٰلِكَ هُدَى ٱللَّهِ يَهۡدِي بِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَمَن يُضۡلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِنۡ هَادٍ} (23)

قوله عز وجل : { الله نزّل أحسن الحديث } يعني القرآن ، ويحتمل تسميته حديثاً وجهين :

أحدهما : لأنه كلام الله ، والكلام يسمى حديثاً كما سمي كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً .

الثاني : لأنه حديث التنزيل بعدما تقدمه من الكتب المنزلة على من تقدم من الأنبياء .

ويحتمل وصفه بأحسن الحديث وجهين :

أحدهما : لفصاحته وإعجازه .

الثاني : لأنه أكمل الكتب وأكثرها إحكاماً .

{ كِتاباً متشابها } فيه قولان :

أحدهما : يشبه بعضه بعضاً من الآي والحروف ، قاله قتادة .

الثاني : يشبه بعضه بعضاً في نوره وصدقه وعدله ، قاله يحيى بن سلام .

ويحتمل ثالثاً : يشبه كتب الله المنزلة على أنبيائه لما يتضمنه من أمر ونهي وترغيب وترهيب ، وإن كان أعم وأعجز . ثم وصفه فقال :

{ مثاني } وفيه سبعة تأويلات :

أحدها : ثنى الله فيه القضاء ، قاله الحسن وعكرمة .

الثاني : ثنى الله فيه قصص الأنبياء ، قاله ابن زيد .

الثالث : ثنى الله فيه ذكر الجنة والنار ، قاله سفيان .

الرابع : لأن الآية تثنى بعد الآية ، والسورة بعد السورة ، قاله الكلبي .

الخامس : يثنى في التلاوة فلا يمل لحسن مسموعه ، قاله ابن عيسى .

السادس : معناه يفسر بعضه بعضاً ، قاله ابن عباس .

السابع : أن المثاني اسم لأواخر الآي ، فالقرآن اسم لجميعه ، والسورة اسم لكل قطعة منه ، والآية اسم لكل فصل من السورة ، والمثاني اسم لآخر كل آية منه ، قاله ابن بحر .

{ تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله } فيه ثلاثة أوجه :

أحدها : أنها تقشعر من وعيده وتلين من وعده ، قال السدي .

الثاني : أنها تقشعر من الخوف وتلين من الرجاء ، قاله ابن عيسى .

الثالث : تقشعر الجلود لإعظامه ، وتلين عند تلاوته .