تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ فَإِذَا هُمۡ فَرِيقَانِ يَخۡتَصِمُونَ} (45)

يخبر تعالى عن ثمود وما كان من أمرها مع نبيها صالح ، عليه السلام ، حين بعثه الله إليهم ، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، { فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } قال مجاهد : مؤمن وكافر - كقوله تعالى : { قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } [ الأعراف : 75 ، 76 ] .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ فَإِذَا هُمۡ فَرِيقَانِ يَخۡتَصِمُونَ} (45)

هذا مثل ثالث ضربه الله لحال المشركين مع المؤمنين وجعله تسلية لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن له أسوة بالرسل والأنبياء من قبله .

والانتقال من ذكر ملك سليمان وقصّة ملكة سبأ إلى ذكر ثمود ورسولهم دون ذكر عاد لمناسبة جِوار البلاد ، لأن ديار ثمود كانت على تخوم مملكة سليمان وكانت في طريق السائر من سَبأ إلى فلسطين .

ألا ترى أنه أعقب ذكر ثمود بذكر قوم لوط وهم أدنى إلى بلاد فلسطين ، فكان سياق هذه القصص مناسباً لسياق السائر من بلاد اليمن إلى فلسطين . ولما كان ما حلّ بالقوم أهمَّ ذِكراً في هذا المقام قدم المجرور على المفعول لأن المجرور هو محل العبرة ، وأما المفعول فهو محلّ التسلية ، والتسلية غرض تَبَعيّ .

ولام القسم لتأكيد الإرسال باعتبار ما اتصل به من بقية الخبر ؛ فإما أن يكون التأكيد لمجرد الاهتمام ، وإما أن يبنى على تنزيل المخاطبين منزلة من يتردد فيما تضمنه الخبر من تكذيب قومه إياه واستخفافهم بوعيد ربّهم على لسانه . وحلول العذاب بهم لأجل ذلك لأن حالهم في عدم العظة بما جرى للمماثلين في حالهم جعلهم كمن ينكر ذلك .

و { أن أعبُدوا الله } تفسير لما دل عليه { أرسلنا } من معنى القول . وفرع على { أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً } إلخ { إذا هم فريقان يختصمون } . فالمعنى : أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً لإنقاذهم من الشرك ففاجأ من حالهم أن أعرض فريق عن الإيمان وآمن فريق .

والإتيان بحرف المفاجأة كناية عن كون انقسامهم غير مرضي فكأنّه غير مترقب ، ولذلك لم يقع التعرض لإنكار كون أكثرهم كافرين إشارة إلى أن مجرد بقاء الكفر فيهم كاف في قبْح فعلهم . وحالهم هذا مساوٍ لحال قريش تجاه الرسالة المحمدية . وأعيد ضمير { يختصمون } على المثنى وهو { فريقان } باعتبار اشتمال الفريقين على عدد كثير . كقوله تعالى : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا } [ الحجرات : 9 ] ولم يقل : اقتتلتا .

والفريقان هما : فريق الذين استكبروا ، وفريق الذين استضعفوا وفيهم صالح . والفاء للتعقيب وهو تعقيب بحسب ما يقتضيه العرف بعد سماع الدعوة . والاختصام واقع مع صالح ابتداء ، ومع أتباعه تبعاً .