نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ فَإِذَا هُمۡ فَرِيقَانِ يَخۡتَصِمُونَ} (45)

7

ولما أتم سبحانه هذه القصة المؤسسة على العلم المشيد بالحكمة المنبئة عن أن المدعوين فيها أطبقوا على الاستسلام للدخول في الإسلام ، مع أبالة الملك ورئاسة العز ، والقهر على يد غريب عنهم بعيد منهم ، أتبعها قصة انقسم أهلها مع الذل والفقر فريقين مع أن الداعي منهم لا يزول باتباعه شيء من العز عنهم ، مع ما فيها من الحكمة ، وإظهار دقيق العلم بإبطال المكر ، بعد طول الأناة والحلم ، فقال تعالى مفتتحاً بحرف التوقع والتحقيق لمن ظن أن هذا شأن كل رسول مع يدعوهم ، عاطفاً على { ولقد آتينا داود } : { ولقد أرسلنا } أي بما لنا من العظمة { إلى ثمود } ثم أشار إلى العجب من توقفهم بقوله : { أخاهم صالحاً } فجمع إلى حسن الفعل حسن الاسم وقرب النسب . ثم ذكر المقصود من الرسالة بما لا أعدل منه ولا أحسن ، وهو الاعتراف بالحق لأهله ، فقال : { أن اعبدوا الله } أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له وحده ، ولا تشركوا به شيئاً ولا سيما شيئاً لا يضر بوجه ولا ينفع ، بياناً لأن الرسل عليهم الصلاة والسلام متفقون على ذلك عربهم وعجمهم . ثم زاد في التعجيب منهم بما أشارت إليه الفاء وأداة المفاجأة من المبادرة إلى الافتراق بما يدعو إلى الاجتماع فقال : { فإذا هم } أي ثمود { فريقان } ثم بين بقوله : { يختصمون* } أنها فرقة افتراق بكفر وإيمان ، لا فرقة اجتماع في هدى وعرفان ، فبعضهم صدق صالحاً واتبعه كما مضى في الأعراف . وتأتي هنا الإشارة إليه بقوله " وبمن معك " وبعضهم استمر على شركه وكذبه ، وكل فريق يقول : أنا على الحق وخصمي على الباطل .