{ وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ } وهم قوم شعيب عليه السلام ، { وَقَوْمُ تُبَّعٍ } وهو اليماني . وقد ذكرنا من شأنه في سورة الدخان ما أغنى عن إعادته هاهنا ولله الحمد .
{ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ } أي : كل من هذه الأمم وهؤلاء القرون كذب رسوله {[27278]} ، ومن كذب رسولا {[27279]} فكأنما كذب جميع الرسل ، كقوله : { كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ } [ الشعراء : 105 ] ، وإنما جاءهم رسول واحد ، فهم في نفس الأمر لو جاءهم جميع الرسل كذبوهم ، { فَحَقَّ وَعِيدِ } أي : فحق عليهم ما أوعدهم الله ، على التكذيب من العذاب والنكال فليحذر المخاطبون أن يصيبهم ما أصابهم فإنهم قد كذبوا رسولهم كما كذب أولئك .
و { الأيكة } : الشجر الملتف ، وهم قوم شعيب ، والألف واللام من { الأيكة } غير معرفة ، لأن «أيكة » اسم علم كطلحة يقال أيكة وليكة ، فهي كالألف واللام في الشمس والقمر وفي الصفات الغالبة وفي هذا نظر . وقرأ «الأيكة » بالهمز أبو جعفر ونافع وشيبة وطلحة .
{ وقوم تبع } هم حمير و { تبع } - سم فيهم ، يذهب تبع ويجيء تبع ككسرى في الفرس وقيصر في الروم ، وكان أسعد أبو كرب أحد التبابعة رجلاً صالحاً صحب حبرين فتعلم منهما دين موسى عليه السلام ثم إن قومه أنكروا ذلك عليه فندبهم إلى محاجة الحبرين ، فوقعت بينهم مجادلة ، واتفقوا على أن يدخلوا جميعهم النار التي في القربان ، فمن أكلته فهو المبطل ، فدخلوها فاحترق { قوم تبع } ، وخرج الحبران تعرق جباههما ، فهلك القوم المخالفون وآمن سائر { قوم تبع } بدين الحبرين .
وفي الحديث اختلاف كثير . أثبت أصح ذلك على ما في سير ابن هشام . وذكر الطبري عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا تلعنوا تبعاً ، فإنه كان قد أسلم »{[10524]} وحكى الثعلبي عن ابن عباس أن تبعاً كان نبياً .
وقوله تعالى : { كل كذب الرسل } قال سيبويه ، التقدير : كلهم وحذف لدلالة كل عليه إيجازاً . و «الوعيد » الذي حق : هو ما سبق به القضاء من تعذيب الكفرة وإهلاك الأمم المكذبة ، ففي هذا تخويف من كذب محمداً صلى الله عليه وسلم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 12].
يقول تعالى ذكره" كذّبتْ "قبل هؤلاء المشركين الذين كذّبوا محمدا صلى الله عليه وسلم من قومه "قَوْمُ نوحٍ وأصحْابُ الرّسّ" وقد مضى ذكرنا قبل أمر أصحاب الرسّ، وأنهم قوم رسّوا نبيهم في بئر...
"وثَمُودُ وعَادٌ وَفِرْعُوْنُ وَإخْوَانُ لُوطٍ وأصْحابُ الأيْكَةِ" وهم قوم شعيب، وقد مضى خبرهم قبل "وَقَوْمُ تُبّعٍ"، وكان قوم تُبّعٍ أهل أوثان يعبدونها...
وقوله: "كُلّ كَذّب الرّسُلَ فَحَق وَعَيِدِ" يقول تعالى ذكره: كلّ هؤلاء الذين ذكرناهم كذّبوا رسل الله الذين أرسلهم "فَحَقّ وَعِيد" يقول: فوجب لهم الوعيد الذي وعدناهم على كفرهم بالله، وحل بهم العذاب والنقمة. وإنما وصف ربنا جلّ ثناؤه ما وصف في هذه الآية من إحلاله عقوبته بهؤلاء المكذّبين الرسل ترهيبا منه بذلك مشركي قريش وإعلاما منه لهم أنهم إن لم ينيبوا من تكذيبهم رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، أنه محلّ بهم من العذاب، مثل الذي أحلّ بهم...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 12]
أحدهما: يصبّر رسوله صلى الله عليه وسلم على أذى قومه وتكذيبهم إياه كما صبّر أولئك؛ يقول: إنك لست بأول رسول، كذّبه قومه، بل كان قبلك رسل، كذّبهم قومهم، فصبروا على ذلك، فاصبر أنت أيضا...
والثاني: يحذّر قومه أن ينزل بتكذيبهم إياه وسوء معاملتهم به كما نزل بمن ذكر من الأقوام بتكذيبهم وسوء معاملتهم. وعلى هذين المعنيين جمع ما ذكر في القرآن من الأنباء، والله أعلم.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{كُلٌّ كَذَّبَ الرّسلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} يعني أن كل هؤلاء كذبوا من أرسل إليهم، فحق عليهم وعيد الله وعذابه. فذكر الله قصص هؤلاء لهذه الأمة، ليعلم المكذبون منهم بالنبي صلى الله عليه وسلم أنهم كغيرهم من مكذبي الرسل إن أقاموا على التكذيب فلم يؤمنوا، حتى أرشد الله منهم من أرشد وتبعهم رغباً ورهباً من تبع...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{كُلٌّ} يجوز أن يراد به كل واحد منهم، وأن يراد جميعهم، إلا أنه وحد الضمير الراجع إليه على اللفظ دون المعنى {فَحَقَّ وَعِيدِ} فوجب وحل وعيدي، وهو كلمة العذاب. وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتهديد لهم...
{كل كذب الرسل فحق وعيد}. يحتمل وجهين؛
(أحدهما) أن كل واحد كذب رسوله فهم كذبوا الرسل واللام حينئذ لتعريف العهد.
(وثانيهما) وهو الأصح هو أن كل واحد كذب جميع الرسل واللام حينئذ لتعريف الجنس، وهو على وجهين؛
(أحدهما) أن المكذب للرسول مكذب لكل رسول.
(وثانيهما) وهو الأصح أن المذكورين كانوا منكرين للرسالة والحشر بالكلية، وقوله {فحق وعيد} أي ما وعد الله من نصرة الرسل عليهم وإهلاكهم...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وجملة {كل كذب الرسل} مؤكدة لجملة {كذبت قبلهم قوم نوح} إلى آخرها، فلذلك فصلت ولم تعطف، وليبني عليه قوله: {فحَقّ وعيد} فيكون تهديد بأن يحق عليهم الوعيد كما حق على أولئك مرتباً بالفاء على تكذيبهم الرسل فيكون في ذلك تشريف للنبيء صلى الله عليه وسلم وللرسل السابقين. وتنوين {كل} تنوين عوض عن المضاف إليه، أي كلّ أولئك. و {حقّ} صدق وتحقّق. والوعيد: الإنذار بالعقوبة واقتضى الإخبار عنه ب {حق} أن الله توعدهم به فلم يعبأوا وكذبوا وقوعه فحق وصدق. وحذفت ياء المتكلم التي أضيف إليها {وعيد} للرعي على الفاصلة وهو كثير...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.