تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{كَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَى ٱلۡمُقۡتَسِمِينَ} (90)

وقوله : { الْمُقْتَسِمِينَ } أي : المتحالفين ، أي : تحالفوا على مخالفة الأنبياء وتكذيبهم وأذاهم ، كما قال تعالى إخبارًا عن قوم صالح أنهم : { قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ } [ النمل : 46 ] أي : نقتلهم ليلا قال مجاهد : تقاسموا : تحالفوا .

{ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ } [ النحل : 38 ] { أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ } [ إبراهيم : 44 ] { أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ } [ الأعراف : 49 ] فكأنهم كانوا لا يكذبون بشيء إلا أقسموا عليه ، فسموا مقتسمين .

قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : المقتسمون أصحاب صالح ، الذين تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله .

وفي الصحيحين ، عن أبي موسى [ الأشعري ]{[16260]} عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به ، كمثل رجل أتى قومه فقال : يا قوم ، إني رأيت الجيش بعيني ، وإني أنا النذير العريان ، فالنجاء النجاء ! فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا ، وانطلقوا على مهلهم فنجوا ، وكذبه طائفة منهم فأصبحوا مكانهم ، فصبَّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم ، فذلك مثل من أطاعني واتبع ما جئت به ، ومثل من عصاني وكَذب ما جئت به من الحق " {[16261]}

/خ91


[16260]:زيادة من ت، أ.
[16261]:صحيح البخاري برقم (6482، 7283) وصحيح مسلم برقم (2283).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{كَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَى ٱلۡمُقۡتَسِمِينَ} (90)

والكاف من قوله { كما } متعلقة بفعل محذوف تقديره ، وقل إني أنا النذير المبين عذاباً كالذي أنزلنا على المقتسمين ، فالكاف اسم في موضع نصب .

قال القاضي أبو محمد : هذا قول المفسرين ، وهو عندي غير صحيح {[7223]}لأن { كما } ليس مما يقوله محمد عليه السلام بل هو من قول الله تعالى له فينفصل الكلام ، وإنما يترتب هذا القول بأن نقدر أن الله تعالى قال له تنذر عذاباً كما ، والذي أقول في هذا المعنى : وقل أنا النذير كما قال قبلك رسلنا وأنزلنا عليهم كما أنزلنا عليك ، ويحتمل أن يكون المعنى وقل أنا النذير كما قد أنزلنا قبل في الكتب أنك ستأتي نذيراً ، وهذا على أن { المقتسمين } أهل الكتاب ، واختلف الناس في { المقتسمين } من هم ؟ فقال ابن زيد : هم قوم صالح الذين اقتسموا السيئات فالمقتسمون على هذا من القسم .

قال القاضي أبو محمد : ويقلق هذا التأويل مع قوله { الذين جعلوا القرآن عضين } ، وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : «المقتسمون » هم أهل الكتاب الذين فرقوا دينهم ، وجعلوا كتاب الله أعضاء آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، وقال نحوه مجاهد ، وقالت فرقة : «المقتسمون » هم من كفار قريش الذين اقتسموا الطرق وقت الموسم ليعرفوا الناس بحال محمد عليه السلام ، وجعلوا القرآن سحراً وشعراً وكهانة فعضهوه بهذا وعضوه أعضاء بهذا التقسيم ، وقال عكرمة : «المقتسمون » هم قوم كانوا يستهزئون بسور القرآن فيقول الرجل منهم هذه السورة لي ، ويقول الآخر وهذه لي .


[7223]:علق أبو حيان في البحر على قوله: "وهذا عندي غير صحيح" فقال: "استعذر بعضهم عن ذلك فقال: الكاف متعلقة بمحذوف دل عليه المعنى، تقديره: أنا النذير بعذاب مثل ما أنزلنا، وإن كان المنزل هو الله، كما يقول بعض خواص الملك: "أمرنا بكذا" وإن كان الملك هو الآمر".